للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لإنقاذ الشعب من أن يضنيه طول يقظته وحزنه" (٢٧)، وقاوم أمبروز الإمبراطور مقاومة عنيفة ذاع صيتها في الخافقين ونال التعصب على يديه نصراً مؤزراً.

وكان بولينوس Paulinus (٣٥٣ - ٤٣١) يمثل في نولا Nola بجنوب إيطاليا نوعاً من القديسين أرق حاشية وألطف معشراً من أمبروز. وكان بولينوس ينتمي إلى أسرة مثرية عريقة تقطن بردو Bordeaux، وقد تزوج من سيدة تنتمي إلى أسرة لا تقل عن أسرته في كرم محتد، ودرس على الشاعر أوسنيوس Ausonius، وخاض غمار السياسة وارتقى رقياً سريعاً. ثم "انقلب" فجأة وتحول عن العالم تحولاً تاماً: فباع أملاكه، ووزع ماله كله على لفقراء؛ ولم يبق لنفسه منه إلا ما يسد ضرورات الحياة؛ ورضيت زوجته ثرازيا Therasia أن تعيش معه "أختاً له في المسيح" طاهرة. ولم تكن حياة الأديرة قد نشأت في الغرب ولهذا فقد اتخذا من بيتهما المتواضع في نولا ديراً خاصاً، عاشا فيه خمسة وثلاثين عاماً ممتنعين عن اللحم والخمر، ويصومان عدداً كثيرة من الأيام في كل شهر، وكانا سعيدين لأنهم تخلصا من متاعب الثروة ومشاغلها. واعترض أصدقاء شبابه الوثنيون، وخاصة أوسنيوس أستاذه القديم، على ما بدا لهم أنه هرب من واجبات الحياة المدنية، فكان جوابه أن دعاهم ليشاركوه في سعادته. وقد احتفظ إلى آخر حياته بروح التسامح في هذا القرن المليء بالحقد والعنف. ولما مات اشترك الوثنيون واليهود مع المسيحيين في تشييع جنازته.

وكتب بولينيوس شعراً مطرباً ساحراً، ولكنه لم يكتبه إلا عرضاً، أما الشاعر الذي كان يمثل النظرة المسيحية إلى الحياة في ذلك العصر أصدق تمثيل فهو أورليوس برودنتيوس كلمنز Aurelius Prudentius Clemenes الأسباني (٣٤٨ - ٤١٠ تقريباً). فبينا كان كلوديان وأوستيوس يملآن أشعارهما بالآلهة الموتى، كان برودنتيوس يترنم بالأوزان القديمة في الموضوعات الحية الجديدة: كقصص الشهداء (في كتاب التيجان)، ويضع الترانيم لكل ساعة من ساعات اليوم، ويكتب