للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حوالي عام ٣١٦؛ وأراد، وهو في الثانية عشرة من عمره، أن يكون راهباً، ولكن أباه أرغمه، وهو في الخامسة عشرة، على الانضمام إلى الجيش؛ فلما كان فيه جندياً غير عادي، فكان يهب مرتبه للفقراء، ويساعد البائسين، ويتحلى بالوداعة والصبر كأنه يريد أن يتخذ من معسكر الجيش ديراً. ونال مارتن أمنيته بعد أن قضى في الخدمة العسكرية خمس سنين، فغادر الجيش ليعيش راهباً في صومعة، في إيطاليا أولاً، ثم في بواتييه بالقرب من هيلاري الذي كان يحبه. وفي عام ٣٧١ خرج أهل تور يطالبون بأن يكون أسقفاً عليهم، على الرغم من ثيابه الرثة وشعره الأشعث. فوافق على طلبهم، ولكنه أصر على أن يعيش كما كان عيشة الرهبان. وأنشأ في مرموتييه Marmoutler على بعد ميليين من تور ديراً جمع فيه ثمانين راهباً، وعاش معهم عيشة التقشف الخالية من الادعاء والتظاهر. وكان الأسقف رأيه رجلاً لا يكتفي بالاحتفال بالقداس، والوعظ، وتقسيم العشاء الرباني، وجمع المال، بل يعمل أيضاً على تقديم الطعام للجياع، والكساء للعرايا، وعيادة المرضى، ومساعدة البائسين. وقد أحبته غالة كلها حباً جعل الناس في جميع أنحائها يروون القصص عن معجزاته، ولقد بالغوا في هذا حتى قالوا إنه أحيا ثلاثة من الأموات (٣٠). وقد اتخذته فرنسا من قديسيها الشفعاء.

واكن الدير الذي أنشأه مارتن في بواتييه (٣٦٢) بداية أديرة كثيرة نشأت بعدئذ في عالة. وإذ كانت فكرة الأديرة قد جاءت إلى روما عن طريق كتاب أثناسيوس المسمى "حياة أنطونيوس"، ودعوة جيروم القوية التي أهاب فيها بالناس أن يحيوا حياة الزهد، فقد كان طراز الرهبنة الذي انتشر في الغرب هو أشقها وأكثرها عزلة، وقد حاول أصحابه أن يمارسوا أقسى شعائرها في جو غير رحيم كما كان يمارسها المصريون في شمس مصر الدفيئة وجوها المعتدل. فقد عاش الراهب ولفليك Wulfilaich عدة سنين عاري الساقين حافي القدمين فوق