القسوة غير المعقولة المنصوص عليها في القانون، كان للمرأة من الوجهة العملية أن تفارق زوجها، وإن لم يكن من حقها أن تطلقه، إذا أثبتت قسوته عليها مع إخلاصها له؛ وكان في وسعها في هذه الحال وأمثالها أن تعود إلى أهلها وأن تأخذ معها بائنتها وما عسى أن تكون قد حصلت عليه بعدئذ من المتاع (١٢٢). (ولم تستمتع نساء إنجلترا نفسها بهذه الحقوق إلا في أواخر القرن التاسع عشر). وإذا غاب الزوج عن زوجته في عمل أو حرب زمناً ما، ولم يترك لها ما تعيش منه كان لها أن تعيش مع رجل آخر، دون أن يحول ذلك من الوجهة القانونية بينها وبين انضمامها مرة أخرى إلى زوجها بعد عودته من غيبته (١٢٣).
وفي وسعنا أن نقول بوجه عام إن مركز المرأة في بابل كان أقل منه في مصر وفي روما، ولكنه مع ذلك لم يكن أقل من مركزها عند اليونان الأقدمين أو عند الأوربيين في العصور الوسطى. وكان لابد لها لكي تؤدي أعمالها الكثيرة- من ولادة الأبناء وتربيتهم، ونقل الماء من النهر أو الآبار العامة، وطحن الحبوب، والطهي، وغزل الخيوط ونسجها، وتنظيف دارها- كان لابد لها لكي تؤدي هذه الأعمال أن تكون حرة في غدوها ورواحها بين الناس لا تكاد تفترق من هذه الناحية عن الرجل في شيء (١٢٤). وكان من حقها أن تمتلك الثروة وتستمتع بدخلها وتتصرف فيها بالبيع والشراء، وأن ترث وتُوَرّثْ (١٢٥). ومن النساء من كانت لهن حوانيت، يتجرن فيها، بل إن منهن من كن كاتبات، وفي هذا دليل على أن البنات كن يتعلمن كالصبيان (١٢٦). غير أن التقاليد السامية التي تمنح أكبر ذكور الأسرة سلطة لا تكاد تقف عند حد كانت تحول دون ما عساه أن يكون باقياً في أرض الجزيرة من أزمنة ما قبل التاريخ من نزعة لتغليب سلطان الأم. وكان من العادات المتبعة عند الطبقات العليا عادة- ولعلها هي التي أدت إلى عادة الحجاب عند المسلمين والهنود- أن يكون للنساء جناح خاص أو أجنحة خاصة في المنزل؛ وكن إذا