والقرب من كرسي القضاء الإلهي. وقد أنفقت أموالاً طائلة في تحرير المسيحيين أسرى الحروب من الاسترقاق (١٠٧). لكن الاسترقاق، رغم هذا، ظل قائماً طوال العصور الوسطى، ولما مات لم يكن لرجال الدين فضل في موته.
وكان اكبر فضل للكنيسة من الناحية الأخلاقية هو ما وضعته للصدقات من نظام واسع النطاق. وكان الأباطرة قد قرروا إعانات من أموال الدولة للأسرة الفقيرة، كما كان أعيان الوثنيين يعينون "مواليهم" وفقراءهم. ولكن العالم لم يشهد قبل المسيحية نظاماً لتوزيع الصدقات كالنظام الذي أقامت الكنيسة، فقد كانت تشجع الإيصال بالمال للفقراء، على أن توزعه هي عليهم. ولسنا ننكر أن بعض المفاسد والخيانات قد تسربت إلى هذا النظام، ولكن حرص الإمبراطور يوليان على منافسة الكنيسة في هذه الناحية يشهد بأنها قد قامت بواجبها على نطاق واسع. فقد كانت تساعد الأرامل، واليتامى، والمرضى، والعجزة، والمسجونين، وضحايا الكوارث الطبيعية؛ وكثيراً ما تدخلت لحماية الطبقات الدنيا من الاستغلال أو الضرائب الباهظة (١٠٨). وكثيراً ما كان القساوسة يهبون أملاكهم كلها للفقراء إذا وصلوا إلى مرتبة الأساقفة. وخصصت كثير من النساء مثل فبيولا Fabiola، وبولا، وملانيا ثروات طائلة للأغراض الخيرية، وقد حذت الكنيسة حذو الوثنيين في إقامة المصحات والمستشفيات، فأنشأت أو أنشأ أثرياؤها مستشفيات عامة على نطاق لم يعرف قط من قبل. فأقام باسيلي مستشفى ذائع الصيت، كما أقام قيصرية بكبدوكيا أول مستشفى للمصابين بالجذام. وقامت خانات للاجئين أو أبناء السبيل على طول طرق الحجاج، وقرر مجمع نيقية أن يقام خان من هذا النوع في كل مدينة. واستخدمت الكنيسة الأرامل لتوزيع الصدقات فوجدن في هذا العمل قيمة جديدة لحياة الوحدة. وكان الوثنيون يعجبون بدأب المسيحيين على العناية بالمرضى في المدن التي يجتاحها القحط أو الوباء (١٠٩).