حجر مجاور لحافة البئر. ومرت به في ذلك الوقت فتاة فقالت له إن هذا الشق من أثر احتكاك الحبل الذي ينزل الدلو في البئر ويرفعها، فلما سمعها إزدور قال في نفسه:"إذ كان في استطاعة هذا الحبل اللين بدأ به على العمل في كل يوم أن يشق الحجر، فما من شك أن المثابرة يمكن أن تغلب على بلادة عقلي". ثم عاد من فوره إلى بيت أبيه وواصل الدرس حتى أصبح أسقف أشبيلية المتبحر في العلم (٦١). ولسنا نعلم إلا القليل عن حياته، وكل ما نستطيع أن نقوله إنه وجد بين مشاغله الدينية الكثيرة، التي كان يقوم بها بما يرضي ضميره، متسعاً من الوقت يكتب فيه ستة كتب. ولعله أراد أن يعين ذاكرته فجمع في خلال عدد كبير من السنين فقرات مختلفة في جميع الموضوعات نقلها من كتب المؤلفين الوثنيين والمسيحيين واستحثه صديقه بروليو Broulio أسقف سرقسطة على أن ينشر هذه المختارات، فأجابه إلى طلبه، وحورها حتى أصبحت من أقوى كتب العصور الوسطى أثراً وسماها "عشرون كتاباً في الاشتقاقات والأصول" وضمها الآن مجلد ضخم يحتوي على ٩٠٠ صفحة من القطع الكبير. وهو موسوعة علمية ولكنها غير مرتبة على الحروف الهجائية؛ وتبحث على التوالي في المجموعة الثلاثية من العلوم القديمة وهي النحو، والبلاغة، والمنطق؛ ثم في الحساب، والهندسة، والموسيقى، والفلك وهي المجموعة الرباعية عند الأقدمين؛ ثم تبحث في الطب؛ والقانون؛ والتواريخ، والدين، والتشريح، ووظائف الأعضاء، وعلم الحيوان، وعلم الكون، والجغرافية الطبيعية، والهندسة المعمارية، والمساحة، والتعدين، والزراعة والحرب، والألعاب الرياضية، والسفن، والملابس، والأثاث، والأدوات المنزلية، … وكلما انتقل المؤلف إلى موضوع من هذه الموضوعات عرف مصطلحاته الأساسية، وبحث عن منشأها. مثال ذلك أنه يقول إن الإنسان يسمى باللاتينية (هومو Homo) لأن الله قد خلقه من التراب (هومس Humus) ، والركبتان تسميان Genus، لأنهما يكونان مقابل الخدين Genae) في الجنين (٦٢). وكان إزدور