عالماً مجداً وإن لم يعن بالتفرقة بين موضوعات درسه؛ وكان واسع الإطلاع على اللغة اليونانية، يعرف الكثير من كتابات لكريتيوس Lukretius (وهو الذي لا يذكر في العصور الوسطى)، وقد حفظ لنا قطعاً مختارة من فقرات كثيرة من الآداب الوثنية لولاه لضاعت عن آخرها. وبحوثه خليط من الاشتقاق الغريب، والمعجزات التي لا يقبلها عقل، ومن تفسيرات مجازية خيالية للكتاب المقدس؛ ومن العلوم الطبيعية والتاريخ حورت لكي تثبت مبادئ أخلاقية، وأخطاء في الحقائق يكفي القليل من الملاحظة لتصحيحها. وكتابه هذا أثر خالد يدل على ما كان فاشياً في هذا العهد من جهالة.
ولا يكاد يبقى شيء من الفنون التي كانت في أسبانيا في عهد القوط الغربيين رياوح أن طليطلة، وإيطاليا وقرطبة، وغرناطة، ومديرا وغيرها من المدن كانت تحتوي على كنائس، وقصور، ومبان عامة جميلة المنظر، أقيمت على الطراز القديمة، ولكنها ميزت عنها بالرموز المسيحية، والنقوش البيزنطية (٦٣). ويقول المؤرخون المسلمون إن العرب الفاتحين وجدوا في طليطلة وكنيستها الكبيرة خمسة وعشرين تاجاً من الذهب المرصع بالجواهر، وكتاباً مزخرفاً للتراتيل مكتوباً على ورقة من الذهب بمداد مصنوع من الياقوت المصهور، وأقمشة منسوجة بخيوط من الذهب والفضة، ودروعاً، وسيوفاً، وخناجر مرصعة من الجواهر، مزهريات مملوءة بها، ومنضدة من الزمرد مطعمة بالفضة والذهب- وكانت هذه المنضدة إحدى الهدايا الكثيرة الغالية التي أهداها أغنياء الغربيين إلى كنيستهم التي تحميهم وترد الأذى عنهم.
وظل استغلال الأقوياء والمهرة البائسين والسذج يجري مجراه في عهد القوط الغربيين كما كان يجري في عهد سائر الحكومات القديمة. فكان الأمراء والأحبار يجتمعون في حفلات دينية أو دنيوية فخمة، ويضعون قواعد للتحليل والتحريم، ويدبرون وسائل للإرهاب والرعب ليتغلبوا بذلك كله على مشاعر