للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من أساقفة الغرب، ووافق المجلس على المبادئ التي وضعها جستنيان، ولكن الكنيسة الغربية رفضتها، وعاد النزاع بين الكنيستين الشرقية والغربية إلى ما كان عليه من قبل، ولم يخمد لظاه مدة قرن من الزمان.

وتغلب الموت آخر الأمر على كل هذا الجدل، فقد توفيت ثيودورا في عام ٥٤٨، وكانت وفاتها أشد الضربات التي حطمت شجاعة جستنيان، وصفاء ذهنه، وقوة بدنه. وكان وقتئذ في الخامسة والستين من عمره، وكان قد أضعفه نسكه وما حل به من ازمات متعاقبة. فترك شؤون الحكم لعماله، وأهمل وسائل الدفاع التي بذل غاية جهده لإقامتها، وانهمك في البحوث الدينية، وحلت بالبلاد كوارث لا حصر لها عليه نغصت عليه حياته في السبعة عشر عاماً التي عاشها على حافة القبر. فقد امتاز حكمه بكثرة ما حدث فيه من الزلازل التي دمرت اثنتي عشرة مدينة وكادت تمحو آثارها من الوجود، ونضب معين خزانة الدولة من جراء النفقات التي تطلبتها إعادة بنائها، وفشا الطاعون في البلاد في عام ٥٤٢، وجاء بعده القحط في عام ٥٥٦، وعاد الطاعون مرة أخرى في عام ٥٥٨. وفي عام ٥٥٩ اجتاز الهون الكتريجور Kutrigur Huns نهر الدانوب، وهتكوا أعراض الأمهات والعذارى الراهبات، وألقوا إلى الكلاب بالأطفال الذين ولدتهم السبايا اللائي أخذوهن معهم في زحفهم، وتقدموا حتى بلغوا أسوار القسطنطينية. واستغاث الإمبراطور في هلعه الشديد بالقائد العظيم الذي طالما أنجاه من الكوارث من قبل. وكان بليساريوس وقتئذ ضعيفاً منهوك القوى، ولكنه انتضى سيفه ولبس درعه، وجمع ثلاثمائة من جنوده المحنكين الذين حاربوا معه في إيطاليا، وضم إليهم بضع مئات من الجنود غير المدربين، وسار بهم ليلاقي الهون البالغ عددهم سبعة آلاف رجل. وزع قواه بما تعوّد من حذق وبُعد نظر، فأخفى مائتين من خيرة جنوده في غابات قريبة من ميدان القتال، فلما أن تقدم الهون لقتاله انقض هؤلاء على جناحهم، بينما كان بليساريوس يتلقى هجوم أعدائه على رأس جيشه الصغير.