ثم انتقلت من الرياضيات إلى الفلسفة، وسلكت في بحوثها على هدى أفلاطون وأفلوطين، و "بزت جميع فلاسفة زمانها"(على حد قول سقراط المؤرخ المسيحي)(٢٢). ولما عينت أستاذة للفلسفة في متحف الإسكندرية هرع لسماع محاضراتها عدد كبير من الناس من شتى الأقطار النائية. وهام بعض الطلاب بحبها، ولكن يبدوا أنها لم تتزوج قط. ويحاول سوداس أن يقنعنا بأنها تزوجت، وبأنها رغم زواجها بقيت عذراء طول حياتها (٢٣). وينقل لنا هو نفسه قصة أخرى، لعل أعداءها هم مخترعوها مضمونها أن شاباً ضايقها بإلحاحه حتى عيل صبرها فما كان منها إلا أن رفعت ثيابها وقالت له:"إن الذي تحبه هو الذي يرمز إلى التناسل القذر وليس هو شيئاً جميلا قط"(٢٤). وقد بلغ من حبها للفلسفة من أنها كانت تقف في الشوارع وتشرح لكل من يسألها النقط الصعبة في كتب أفلاطون أو أرسطو، ويقول سقراط المؤلف إنه "قد بلغ من رباطة جأشها ودماثة أخلاقها الناشئتين من عقلها المهذب المثقف أن كانت في كثير من الأحيان تقف أمام قضاة المدينة وحكامها دون أن تفقد وهي في حضرة الرجال مسلكها المتواضع المهيب الذي امتازت به عن غيرها، والذي أكسبها احترام الناس جميعاً وإعجابهم بها".
لكن هذا الإعجاب لم يكن في واقع الأمر يشمل الناس جميعاً، فما من شك في أن مسيحي الإسكندرية كانوا ينظرون إليها شزراً، لأنها لم تكن كافرة فاتنة فحسب، بل كانت إلى ذلك صديقة وفية لأرستيز Arestes حاكم المدينة الوثني. ولما أن، حرض سيريل Cyril كبير الأساقفة -أتباعه الرهبان على طرد اليهود من الإسكندرية أرسل أرستيز إلى ثيودوسيوس الثاني تقريراً عن الحادث بعيداً عن النزاهة بعداً استاء منه كبير الأساقفة ورجاله أشد الاستياء. وقذف بعض الرهبان الحاكم بالحجارة، فأمر بالقبض على زعيم الفتنة وتعذيبه حتى مات (٤١٥). وأتهم أنصار سيريل هيباشيا بأنها صاحبة السلطان الأكبر على أرستيز، وقالوا إنها هي