وحدها التي تحول دون الاتفاق بين الحاكم والبطريق. وفي ذات يوم هجم عليها جماعة من المتعصبين يتزعمهم "قارئ" أي كاتب صغير من موظفي سيريل، وأنزلوها من عربتها، وجروها إلى إحدى الكنائس، وجردوها من ملابسها، وأخذوا يرجمونها بقطع القرميد حتى قضوا على حياتها، ثم قطعوا جسمها إرباً، ودفنوا ما بقي منها في مرح وحشي شنيع (٤١٥)(٢٥). ولم يعاقب أحد من المجرمين واكتفى الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني بأن قيد حرية الرهبان في الظهور أمام الجماهير، (سبتمبر عام ٤١٦). وبذلك كان انتصار سيريل انتصاراً كاملاً.
ورحل أساتذة الفلسفة الوثنيون بعد موت هيباشيا إلى أثينة ليتقوا فيها الأذى، وكان التعليم غير المسيحي لا يزال حراً نسبياً ولا يزال معلموه آمن على أنفسهم من غيرهم في المدن الأخرى. وكانت حياة الطلاب فيها لا تزال نشيطة يسودها معظم ما يسود الحياة العلمية الراقية من ضروب السلوى -من تآخ بين الطلاب، وأثواب تميزهم من غيرهم، وعقاب يفرض عليهم في صورة عمل إضافي، ومرح عام وبهجة (٢٧). وكانت المدرستان الرواقية والأبيقورية قد اختفتا من المدينة، ولكن المجمع العلمي الأفلاطوني كان يتدهور ذلك التدهور الرائع الذي آل إليه أمره في عهد ثمستيوس وبرسكوس Priscus وبركلو Proclus. وكان لثمستيوس (حوالي ٣٨٠) بما كتبه من شروح على كتب أرسطو أثر كبير في ابن رشد وغيره من زعماء الفكر في العصور الوسطى. وكان برسكسوس في فترة من الزمن صديق يوليان ومشيره، وقد قبض عليه فالنز وفلنتنيان الأول واتهماه باستخدام السحر لكي تصيبهما الحمى، ثم عاد بعد ذلك إلى أثينة وظل يعلم فيها حتى توفي عام ٣٩٥ وهو في سن التسعين. واتخذ بركلوس (٤١٠ - ٤٨٥) الرياضيات طريقاً إلى الفلسفة كما يفعل الأفلاطونيون الحقيقيون. وكان هذا الفيلسوف رجل صبر وجلد، فرتب آراء الفلسفة اليونانية كلها في نظام واحد،