وخلع علها صورة علمية سطحية. ولكنه إلى هذا كان يتصف أيضاً بشيء من المزاج الصوفي للفلسفة الأفلاطونية الحديثة، وكان يضن أن في وسع الإنسان بفضل صومه وتطهير نفسه أن يكون على صلة بالكائنات غير البشرية (٢٨). وكانت مدارس أثينة قد فقدت حيويتها بعد أن أغلقها جستنيان في عام ٥٢٩، واقتصر عملها على ترديد نظريات المعلمين الأقدمين وإعادتها مراراً وتكراراً، وكان التراث العظيم الذي آل إليها قد أثقلها حتى كاد يقضي عليها، ولم تخرج عله إلا إلى نزعة تصوفية تستعير مادتها من المذاهب المسيحية البعيدة عن الدين الأصيل. ثم أغلق جستنيان مدارس علماء البلاغة كما أغلق مدارس الفلاسفة، وصادر أملاكها وحرم الاشتغال بالعليم على جميع الوثنيين، وبذلك انقضى عهد الفلسفة اليونانية بعد حياة دامت أحد عشر قرناً من الزمان.
ويبدو الانتقال من الفلسفة إلى الدين، ومن أفلاطون إلى المسيح، واضحاً جلياً في بعض الكتابات اليونانية العجيبة التي يعزوها مفكرو العصور الوسطى عن ثقة ويقين إلى ديونيسيوس الأريوباجي Dionysius the Areopagite، وهو رجل من أهل أثينة اعتنق تعاليم بولس. وأهم مؤلفات هذا الكاتب أربعة هي: في السلطة الكهنوتية السماوية، وفي السلطة الإكليروسية، وفي الأسماء القدسية، وفي اللاهوت الصوفي.
ولسنا نعرف من هو ديونيسيوس صاحب هذه المؤلفات، ولا متى ألفت أو أين ألفت وتدل محتوياتها على أنها كتبت بين القرنين الرابع والسابع، وكل الذي نعرفه أنه قلما كان لغيرها من الكتب مالها من اثر عميق في علم اللاهوت المسيحي. وقد ترجم يوحنا اسكوتوس أرجينا John Scotus Erigena واحداً منها وبنى عليها تعاليمه. وكان ألبرتوس مجنوس Albertus Magnus وتوماس أكويناس يجلانها، وكان