للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

آن، كانت قبيلته كلها تعد ذلك شرفاً لها تبتهج له أعظم ابتهاج؛ وكانت أهم هذه المباريات كلها تعقد كل عام في سوق عكاظ، حيث كانت تتنافس القبائل في كل يوم تقريباً مدى شهر كامل على لسان شعرائها. ولم يكن في هذا السوق محكمون غير الجماهير المنصتة التي تبدي استحسانها لما تسمع أو احتقارها له (١). وكانت أحسن القصائد التي تقال في هذه السوق تكتب بحروف جميلة براقة فسميت من أجل ذلك "بالمذهبات"، وكان يُحتفظ بها في خزائن الأمراء والملوك تراثاً خالداً قيماً. وكان العرب يسمون هذه القصائد أيضاً بالمعلقات لأن الفائز منها-كما تقول القصص المتواترة-قد كتبت على الحرير المصري بأحرف من ذهب وعُلقت على جدران الكعبة في مكة.

وقد بقيت من هذه المعلقات التي قبلت في الجاهلية سبع قصائد يرجع تاريخها إلى القرن السادس الميلادي، وهي قصائد طوال من الشعر المقفى المعقد الأوزان، وموضوعها في العادة هو الحب أو الحرب. وتقص إحداها وهي معلقة لبيد قصة جندي عاد من الحرب إلى قريته وبيته حيث كان قد ترك زوجته، فوجد بيته خالياُ، وقد غادرته الزوجة مع رجل غيره. ويصف لبيد منظر هذا البيت الخيالي بحنان لا يقل عن حنان جولد سمث (٢). ويزيد عليه في فصاحة الشعر وقوة التعبير. وفي معلقة أخرى تستحث النساء الرجال إلى الحرب بقولهن:

ويها بني عبد الدار ويها حماة الديار

ضرباً بكل بتار

نحن بنات طارق لا ننثني لوامق


(١) كانت هناك سوقان غير سوق عكاظ، وهما سوقا مجنة وذو المجاز وكان فيها أحياناً محكمون من ذوي المكانة. (المترجم)
(٢) آثرنا أن نبقي هذا التعبير كما هو، وإن كان لا يقرب المعنى للقارئ العربي، لما فيه من مفاضلة بين شاعرين من أمتين مختلفتين وهي في رأينا مفاضلة فيها كثير من الفائدة. (المترجم)