هؤلاء العشاق المتيمين إلى أسبانيا. ولكن هذه المعبودة كانت إلى هذا سلعة من السلع، فقد كانت جزءاً من أملاك أبيها، أو زوجها، أو ابنها، تُورَث مع هذه الأملاك، وكانت على الدوام من خدم الرجل، وقلما كانت رفيقته. وكان يطلب إليها أن تلد له كثيراً من الأبناء، والأبناء الذكور بطبيعة الحال، لأن واجبها أن تنجب المحاربين، ولم تكن في كثير من الأحوال إلا زوجة واحدة من كثيرات من الزوجات وكان في وسع الرجل أن يخرجها من بيته متى شاء.
ولكن مفاتنها لم تكن تقل عن الحرب إلهاماً لخيال الشعراء، وموضوعاً لشعرهم، وكان العربي قبل الإسلام أمياً ولكن حبه للشعر لم يكن يزيد عليه إلا حبه للخيل والنساء والخمر. ولم يكن بين العرب في الجاهلية علماء أو مؤرخون (١) ولكنهم كانوا مولعين بفصاحة اللسان، وصحة الكلام، والشعر المختلف المعقد الأوزان. وكانت اللغة العربية قريبة الشبه باللغة العبرية، معقدة في تصريفها، غنية بمفرداتها، دقيقة في الفروق بين ألفاظها، قادرة في ذلك الوقت على التعبير عن جميع أحاسيس الشعراء وفيما بعده عن جميع دقائق الفلسفة. وكان العرب يفخرون بقدم لغتهم وكمالها، يولعون بترديد مقاطعها العذبة في خطبهم الرنانة وشعرهم الجذل ونثرهم الرصين، يأخذ بلبهم شعر الشعراء الذين كانوا يعيدون على أسماعهم في القرى والمدن، وفي مخيمات الصحراء أو الأسواق، مغامرات أبطالهم أو قبائلهم أو ملوكهم في الحب أو الحرب في قصائد طوال من الشعر الموزون المقفى. وكان الشاعر العربي مؤرخ العرب، وجامع أنسابهم، وهجاءهم، والمعتني بفضائلهم، وناقل أخبارهم، وما همهم، وداعيهم إلى القتال. وإذا نال الشاعر جائزة في إحدى المباريات الشعرية الكثيرة التي كانت تعقد من آن إلى
(١) من الحق أن العرب في جاهليتهم لم يُعنوا بالعلوم كما عنى بها غيرهم من الأمم كأهل مصر والهند والفرس واليونان، ولكن كان منهم من عنى بشيء من العلوم الضرورية كالطب المبني على التجربة وأحوال الكواكب والنجوم. (ي)