للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يدخلها في غير هذه الأشهر الحرم ومن غير أن يؤدي له ما يفرضه من إتاوة، معتد عليه معلى وطنه، وأن نهب أموال هذا المعتدي ليس إلا ضريبة تُجبى منه بأهون السبل، وكان يحتقر حياة الحضر، لأن معناها الخضوع لمطالب القانون والتجارة، ويحب الصحراء القاسية لأنه يتمتع فيها بكامل حريته، وكان البدوي رحيماً وسفاكاً للدماء، كريماً وبخيلاً، غادراً وأميناً، حذراً وشجاعاً، ومهما يكن فقيراً، فإنه كان يواجه العالم بمهابة وأنفة، ويزهو بنقاء دمه ويولع بأنه يضيف إلى اسمه سلسلة نسبه.

كان لدى البدوي أمر لا يقبل فيه جدلاً، ذلك هو جمال نسائه الذي لا يدانيه في نظره جمال. لقد كان جمالاً أسمر، قوياً، يفتن اللب، خليقاً بأن يتغزل فيه بعشرات المئات من الأغاني الشعرية، ولكنه جمال قصير الأجل سرعان ما يذوى في جو الصحراء القائظ. وكانت حياة المرأة العربية قبل أيام النبي تنتقل من حب الرجل لها حباً يقترب من العبادة إلى الكدح طوال ما بقي من حياتها، ولم تتغير هذه الحياة فيما بعد إلا قليلاً (١). وكان في وسع أبيها أن يئدها حين مولدها إذا رغب في هذا، فإن لم يفعل فلا أقل من أن يحزن لمولدها، ويواري وجهه خجلاً من الناس، لأنه يحس لسبب ما أن جهوده قد ذهبت أدراج الرياح، وكانت طفولتها الجذابة تستحوذ على قلبه بضع سنين، ولكنها حين تبلغ السنة السابعة أو الثامنة من عمرها كانت تُزوج لأي شاب من شبان القبيلة يرضى والده أن يؤدي للعروس ثمنها (٢). وكان حبيبها وزوجها يحارب العالم كله إذا لزم الأمر ليحميها، أو يدافع عن شرفها. وقد انتقلت بعض مبادئ هذه الشهامة المتطرفة مع


(١) سنجد في فصول الكتاب الآتية ما يدل على أثر الإسلام في رفع منزلة المرأة إلى درجة لم تسمُ إليها في كثير من البلدان؛ وسيذكر المؤلف نفسه كثيراً من النساء اللاتي كان لهن أعظم شأن في الحياة العملية والسياسية والاجتماعية. (المترجم)
(٢) يريد مهرها.