يجتمع في سوق عكاظ الشهيرة القريبة من التجار، والممثلين، والخطباء، والمقامرين، والشعراء، والعاهرات.
وكان خمسة أسداس السكان بدواً رحلاً، يشتغلون بالرعي وينتقلون بقطعانهم من مرعى إلى مرعى حسب فصول السنة وأمطار الشتاء. والبدوي يحب الخيل، ولكن الجمل أعز أصدقائه في الصحراء، فهو يسير ويهتز في وقار، وإن كان لا يقطع إلا ثمانية أميال في الساعة، ولكنه يستطيع أن يصبر على الماء خمسة أيام طوال في الصيف، وخمسة وعشرون يوماً في الشتاء. والناقة تدر اللبن، وبول الجمل مفيد في تقوية الشعر (١)، وروثه يمكن أن يُتخذ وقوداً، وإذا ذُبح أكل لحمه، وصُنعت الثياب والخيام من جلده ووبره. وبهذه المقومات المختلفة الأنواع كان في وسع البدوي أن يواجه حياة الصحراء متجلداً كجمله، مرهف الحس نشيطاً كجواده. والبدوي قصير القامة، نحيف الجسم، مفتول العضلات، قوي البنية، في وسعه أن يعيش أياماً متوالية على قليل من التمر واللبن، وكان يستخرج من البلح نفسه خمراً يرتفع بها من تراب الأرض إلى خيال الشعراء. وكان يدفع عن نفسه ملل الحياة الرتيبة وسآمتها بالحب والحرب، وكان يسرع كما يسرع الأسباني (الذي ورث عنه سرعة غضبه) إلى الانتقام لما عساه أن يوجه إليه أو إلى قبيلته من إهانة أو أذى. وكان يقضي جزءاً كبيراً من حياته في الحرب التي تستعر نارها بين القبائل المختلفة، ولما أن فتح بلاد الشام، وفارس، ومصر، وأسبانيا لم يكن عمله هذا إلا توسعاً منه في غارات النهب التي كان يشنها في أيام الجاهلية وإن اختلف الغرض في هذه عن تلك.
وكان من بعض أوقات السنة هدنة مقدسة للحج أو للتجارة، أما في غير هذه الأوقات فكان يرى أن الصحراء ملكه الخاص، وأن كل من
(١) يقول دوتي Doughty إن نساء البدو "يغسلن أطفالهن ببول الجمل" ظنناً منهن أن ذلك يبعد عنهن الحشرات". ويمشط الرجال والنساء شعرهم الطويل بهذا الماء.