من تزمت أتقياء المسلمين وبساطتهم. وانقسم المسلمون بعد أن هدأت سورة النصر أحزاباً متباغضة شديدة العداء، المهاجرون القادمون من مكة ضد الأنصار أهل المدينة، وأهل مكة والمدينة أصحاب السلطان ضد دمشق، والكوفة، والبصرة، وهي المدن الإسلامية الآخذة في النماء السريع، وبنو هاشم أهل النبي وعلي رأسهم علي ضد بني أمية وعلى رأسهم معاوية حاكم الشام وابن أبي سفيان ألد أعداء النبي في بداية الدعوة. وفي عام ٦٥٤ أخذ رجل يهودي ممن اعتنقوا الإسلام يدعو في البصرة إلى عقيدة ثورية، مضمونها أن النبي سيبعث حياً على هذه الأرض، وأن علياً أحق الناس بالخلافة، وأن عثمان لا حق له فيها، وأن من اختاروه لها جماعة من الطغاة الخارجين على الدين. ولما طرد هذا الداعية من البصرة نزح إلى الكوفة، فلما أخرج من الكوفة انتقل إلى مصر حيث وجدت دعوته آذاناً صاغية واعتنقها كثيرون، وخرج من مصر إلى المدينة خمسمائة من المسلمين وطلبوا إلى عثمان أن يعتزل الخلافة، فلما أبى حاصروا بيته، ثم اقتحموا عليه حجرته وقتلوه وهو يتلو القرآن (٦٥٦).
وفر زعماء بني أمية من المدينة وبايع بنو هاشم علياً خليفة للمسلمين. وكان علي في شبابه مثلاً أعلى للتواضع، والتقوى، والنشاط، والإخلاص للدين. وكان وقت أن بويع بالخلافة في الخامسة والخمسين من عمرهِ، أصلع الرأس، ممتلئ الجسم، لطيف المعشر، محسناً، كثير التفكير، متحفظاً في قولهِ؛ ولم يكن مرتاحاً لهذه المأساة التي عدت فيها السياسة على الدين، ولت فيها الدسائس محل الخشوع والإخلاص للإسلام والمسلمين. وطلب إليه أن يقتص من قتلة عثمان، ولكنه تباطأ فتمكنوا من الفرار؛ وطالب هو أن يعتزل من ولاهم عثمان مناصبهم، فأبى معظمهم؛ ولم يكتفِ معاوية برفض هذا الطلب بل نشر في دمشق قميص عثمان الملطخ بالدماء، وأصابع زوجته التي قطعت وهي تحاول الدفاع عنه. وظاهرت قريش معاوية، وكان بنو أمية هم المسيطرين وقتئذ عليها، وخرج على عليّ