ليقفوا تيار المغول الجارف. ذلك أن ما ينشأ من تكاثر السكان من ضغط شديد على وسائل العيش يؤدي من حين إلى حين إلى هجرات ضخمة تطغى أهميتها على غيرها من حوادث التاريخ.
وفي عام ٩٦٢ غزا جماعة من المغامرين الأتراك القادمين من التركستان بلاد الأفغان. وكان يقودهم عبد محرر يدعى البتجين، واستولوا على غزنة وأقام فيها أسرة غزنونية. وخلف البتجين سبكتكين (٩٧٦ - ٩٩٧)؛ وكان أولاً مولى من مواليه، ثم زوج أبنته. وقد مد حدود ملكه حتى شمل بيشاور وبعض خراسان، ثم استولى أبنه محمود (٩٩٨ - ١٠٣٠) على جميع بلاد الفرس من الخليج الفارسي إلى نهر جيحون، وبعد سبعة عشر معركة حامية امتازت بضروب من القسوة أضاف البنجاب إلى ملكه، كما أضاف كثيراً من أموال الهند إلى خزائنه. ولما أتخمه النهب، وضاق ذرعاً بالتعطل الناشئ من تسريح جنوده، أخ ينفق بعض ماله، ويستخدم بعض رجاله، في تشييد مسجد غزنة وهو المسجد الكبير الذي يقول فيه أحد المؤرخين المسلمين:(العتبي-أبو النصر محمد في كتابه اليميني أو الرسالة اليمينية):
"وأمام هذا البيت مقصورة بتعاريج عليها منصوبة تسع ثلاثة آلاف (١) متى شهدوا الفرض أخذوا أماكنهم فيها صفوفاً وأقبلوا على انتظار الأذان عكوفاً، وأضيف إلى المسجد مدرسة فيحاء تشمل بيوتها من بساط الأرض إلى مناط السماء على تصانيف الأئمة الماضين من علوم الأولين والآخرين … ينتابها فقهاء دار الملك وعلماء التدريس والنظر في علوم الدين، على كفاية ذوي الحاجة، فمنهم من يهمهم جراية وافرة، ومعيشة حاضرة. وقد اقتطع من دار الإمارة إلى البيت الموصوف طريق يفضي إليه في أمن ابتذال العيون اللوامح واعتراض الرجال
(١) يقول الطبري إن اسم الضاحية هو الجعفري: "أمر المتوكل ببناء الماخورة وسماها الجعفري (جزء ١١ في أخبار سنة ٢٤٥). (المترجم)