من بين صالح وطالح فيركب إليه وقور سكينة وشمول طمأنينة (٣١) ". واستقدم محمود إلى هذه المدرسة وإلى بلاطه كثيراً من العلماء منهم البيروني، وكثيراً من الشعراء ومنه الفردوسي صاحب الشاهنامة أعظم قصيدة في الأدب الفارسي؛ وقد أهداها إليه عن كره منه. وكان محمود في ذلك الوقت أعظم رجال العالم كله من نواح عدة، ولكن مملكته انتقلت بعد سبع سنين من وفاته إلى أيدي الأتراك السلاجقة.
ونحن نخطئ إذا صورنا الترك في صورة أقوام همج، فمن حقهم علينا ـأن نقول إنهم حين أغاروا على بلاد الإسلام كانوا قد اخذوا ينتقلون من طور الهمجية إلى طور الحضارة، شأنهم في هذا شأن الفيالق الألمانية التي غزت بلاد الإمبراطورية الرومانية. لقد اخذ الأتراك الساكنون في شمالي آسية الوسطى يتحركون نحو العرب من إقليم بحيرة بيكال، وكانوا قد نظموا أنفسهم في القرن السادس الميلادي جماعات يتزعم كلاً منها خان أو شاغان. وكانوا يصهرون الحديد الذي يستخرجونه من جبالهم، ويصنعون منه أسلحة صلبة كصلابة قوانينهم التي لم تكن تكتفي بجعل الإعدام جزاء الخيانة والقتل، بل كانت تجعله أيضاً عقاباً على الزنى والجبن. وكان خصب نسائهم يفوق قتلى حروبهم، ولم يحل عام ١٠٠٠ م حتى كان فرع من أولئك الأتراك يسمون السلاجقة نسبة إلى زعيمهم سلجوق قد سيطروا على ما وراء نهر جيحون وعلى بلاد التركستان. وظن محمود الغرنوي أن في مقدوره أن يقف زحف هذه القوة التركية المنافسة له، فقبض على أحد أبناء سلجوق وسجنه في الهند (١٠٩٢). ولكن هذا العمل لم يفت في عضد السلاجقة بل أثار ثائرتهم فزحفوا بقيادة زعيمهم طغرل بك المحنك الشديد البأس واستولوا على معظم بلاد الفرس، ثم شرعوا يمهدون السبيل لتقدمهم في المستقبل، فأرسلوا وفداً إلى الخليفة القائم بأمر الله في بغداد ليبلغه أنهم يعتنقون الإسلام. وكان الخليفة يرجوا أن ينقذه هؤلاء المحاربون البواسل من سيطرة بني بويه، فأرسل