وكانت أهم وسائل النقل البري هي ظهور الإبل، والخيل والبغال والرجال، لكن الحصان كان بوجه عام أثمن من أن يستخدم في حمل الأثقال، وفيه يقول أعرابي "لا تسمه حصاني، بل سمه ولدي؛ فهو في عدوهِ أسرع من الريح ومن طرفة العين … وقد بلغ من خفة قدمه أنه يستطيع أن يرقص فوق صدر حبيبتك ولا يؤذيها"(٨). ومن اجل هذا كان الجمل "سفينة الصحراء" يحمل معظم تجارة العرب، وكانت قوافل يصل عدد جمالها إلى ٤. ٧٠٠ جمل تخترق بلاد العالم الإسلامي. وكانت طرق كبرى تتشعع من بغداد وتمر بالري وسينابور، ومرو، وبخارى، وسمرقند، إلى كاشغر وحدود بلاد الصين؛ أو إلى البصرة فشيزار؛ أو إلى الكوفة فالمدينة، ومكة وعدن، أو إلى ساحل بلاد الشام مجتازة الموصل أو دمشق. وأنشئت النزل، والخانات، والمضايف، وصهاريج الماء في الطرق ليستقي منها المسافرون والدواب. وكانت التجارة الداخلية واسعة تنتقل في الأنهار والقنوات. وقد فكر هارون الرشيد في حفر قناة تربط البحرين المتوسط والأحمر في موضع قناة السويس وخططها، ولكن يحيى البرمكي لم يشجعه على حفرها لأسباب لا نعرفها ولعلها أسباب مالية (٦). وقد أنشئت على نهر دجلة عند بغداد، حيث يبلغ عرضه ٧٥٠ قدماً، ثلاثة جسور محملة علة قوارب.
وكانت تجارة عظيمة تمر بهذه الشرايين، وكان من المزايا الاقتصادية التي يستمتع بها غرب آسية أن حكومة واحدة تسيطر على هذا الإقليم الذي كان فيما مضى مقسماً بين أربع دول؛ فقد كان من آثار هذه الوحدة أن ألغت في داخلها جميع العوائد الجمركية وغيره من العوائق التجارية، هذا إلى أن العرب لم يكونوا كأشراف الأوربيين يسخرون من التجار ويزدرونهم، ولهذا لم يلبثوا أن انضموا إلى المسيحيين واليهود والفرس في نقل البضائع من المنتج إلى المستهلك بأقل ما يمكن من الربح لكليهما، فغصت المدائن والبلدان بوسائل النقل والمقايضة والبيع والشراء؛ وكان البائعون