الجائلون ينادون على سلعهم أمام النوافذ الشبكية، والحوانيت تعرض بضائعها أو تتردد في أصداء المساومات، والموالد والأسواق تغص بالمتاجر والتجار والبائعين، والمشترين، والشعراء، والقوافل تربط الصين والهند بفارس والشام ومصر، وكانت الثغور أمثال بغداد، والبصرة، وعدن، والقاهرة، والإسكندرية، تبعث بالتجار يجوبون البحار. وظلت التجارة الإسلامية هي المسيطرة على بلاد البحر المتوسط إلى أيام الحروب الصليبية، تنتقل من الشام ومصر في أحد الطرفين إلى تونس، وصقلية، ومراكش وأسبانيا في الطرف الآخر، وتمر في طريقها ببلاد اليونان، وإيطاليا، وغالة. وانتزعت السيطرة على البحر الأحمر من بلاد الحبشة، وتجاوزت بحر الخرز إلى منغوليا، وصعدت في نهر الفلجا Yolga من أستراخان إلى نوفجرود؛ وفنلندة، واسكنديناوة، وألمانيا حيث تركت آلافاً من قطع النقود الإسلامية. ولما أن قدمت سفن صينية لزيارة البصرة رد العرب الزيارة بإرسال سفائنهم من الخليج الفارسي إلى الهند وسرنديب، ثم اجتازت المضيق الذي يفصل بينهما، وسارت بإزاء الساحل الصيني إلى خنفو (كنتون) واستقرت في هذا الثغر جالية إسلامية ويهودية في القرن الثامن الميلادي (١٠). ووصل هذا النشاط التجاري الذي بعث الحياة قوية في جميع أنحاء البلاد إلى غايته في القرن العاشر أي في الوقت الذي تدهورت فيه أحوال أوروبا إلى الدرك الأسفل، ولما أن اضمحلت هذه التجارة أبقت آثارها واضحة في كثير من اللغات الأوربية فأدخلت فيها ألفاظاً مثل Bazaa، Cravan، Magazine، Tariff (١) .
وكانت الدولة تترك للصناعة والتجارة حريتهما وتساعدهما بإيجاد عملة ثابتة مستقرة إلى حد كبير. وكان الخلفاء الأولون يستخدمون النقود البيزنطية والفارسية حتى تولى الخلافة عبد الملك بن مروان فسك في عام ٦٩٥ عملة عربية من الذهب
(١) اللفظان الأولان من أصل عربي وهما التعريفة والمخزن، الثالث والرابع من أصل فارسي. (المترجم)