الأعمال الدنيا في المزارع، وبأكثر الأعمال اليدوية التي لا تحتاج إلى مهارة في المدن. وكانوا يعملون خدماً في البيوت، وكان من رجاهم خصيان ومن النساء جوارٍ في الحريم. وكانت كثر الراقصات، والمغنيات والممثلات من الجواري. وكان ابن الجارية من سيدها، وابن المرأة الحرة من عبدها، حراً من ساعة مولده. وكان يسمح للعبيد أن يتزوجوا وأن يتعلم أبناؤهم إذا أظهروا قدراً كافياً من النباهة. وإن المرء ليدهش من كثرة أبناء العبيد والجواري الذين كان لهم شأن عظيم في الحياة العقلية والسياسية في العالم الإسلامي، ومن كثرة من أصبحوا منهم ملوكاً وأمراء أمثال محمود الغرنوي والمماليك في مصر.
ولم يبلغ استغلال العمال في بلاد آسية الإسلامية من القسوة ما بلغه في البلاد الوثنية أو المسيحية، حيث كان الفلاح يكدح طوال ساعات النهار، ولا يكسب إلا ما يكفي لابتياع خرقة تستر حقوقه، أو إقامة كوخ يعيش فيه، أو الحصول على طعام لا يكاد يقيم أوده. وكان المتسولون كثيرين في البلاد الإسلامية ولا يزالون كثيرين فيها إلى الآن، ولا يزال الكثيرون منهم مخادعين مدعين؛ ولكن الآسيوي الفقير كان يحميه من الفاقة مهارته في العمل البطيء، وقل أن يوجد في الناس من يضارعه في تكييف نفسه لظروف التعطل عن العمل. وكانت الصدقات كثيرة متعددة، وكان في وسع الفقير إذا ضاقت به السبل أن ينام في أحسن بناء في المدينة-وهو مسجدها، ومع هذا كله فإن حرب الطبقات الأبدية لم تخمد جمرتها قط، وكان لهيبها يندلع من آن إلى آن في البلاد الإسلامية (٧٧٨، ٧٦٩، ٨٠٨، ٨٣٨) في ثورات عنيفة. وكانت هذه الثورات تستتر أحياناً بستار الدين لأن الدين والدولة كانا في البلاد الإسلامية شيئاً واحداً، وكان منهم شيع كالحزمية والمحيدة تعتنق آراء مزدك الفارسي الشيوعية؛ ومنهم شيعة أطلقت على نفسها اسم سرخ علم أي "العلم الأحمر"(١٦)؛ وقام في عام ٧٧٢ رجل في خراسان يدعى هاشم المقنع وقال إن الله قد حل في جسمه، وإنه بعث