المسجد ستر أو حظار أو رواق خاص، ثم انتهى الأمر بمنعهن منها منعاً باتاً (٤٩)، وأصبح الدين الذي وصف في العالم المسيحي اللاتيني بأنه لابد منه للإناث، وأنه ضروري لهن لا يزيد عليه في ذلك إلا الغريزة الجنسية، نقول أصبح الدين في العالم الإسلامي، أو بالأحرى أصبحت العبادة العامة وقفاً على الذكور دون الإناث. وكان أشد من هذا قسوة عليهن، منعهن من التردد على الأسواق لقضاء حاجاتهن منها، فكن يبعثن إليها من يقضي حاجاتهن، وكان البائعات المتنقلات، وكن في العادة من النساء يأتين إليهن ليعرضن عليهن بضائعهن في داخل البيوت، وقلما كانت النساء يتناولن الطعام مع أزواجهن اللهم إلا عند الطبقات الدنيا، ومنع المسلم أن يرى وجوه النساء عدا وجوه أزواجه وإمائه، وأقاربه الدنين؛ وحتى الطبيب نفسه لم يكن يسمح له أن يرى من النساء غير الجزء المصاب من أجسامهن. وكان في هذا النظام مرضاة للرجل، فهو في البيت يتيح له أكبر فرص الاستمتاع، ويجعله في خارجه أبعد ما يكون عن الرقابة والمفاجأة. أما عن النساء أنفسهن، فإنا لا نجد حتى القرن التاسع عشر ما يدل على أنهن قد عارضن في العزلة أو في النقاب، بل كن يستمتعن بما في جناح الحريم من سِرَّية، وطمأنينة، وراحة، وكن يغضبن إذا فرط أزواجهن في واجب المحافظة على عزلتهن، ويرين في ذلك إهانة لهن (٥٠)؛ وظلت الزوجات الشرعيات يضطلعن من سجنهن الظاهري بقسط موفور من مجريات الحوادث التاريخية، وكان للخيزران أم الرشيد، ولزوجته زبيدة في القرنين الثامن والتاسع قسط كبير من النفوذ والسلطان، وكانتا تستمتعان بكثير من الأبهة والسلطان.
وقلما كان تعليم البنات يتعدى عند معظم الطبقات تلقيهن الصلاة، وقليلاً من سور القرآن، والفنون المنزلية. أما نساء الطبقات العليا فكن يتلقين تعليماً متسع الآفاق، يقوم به في العدة معلمون خصوصيون، ويتلقينه أحياناً في المدارس والكليات (٥١). وكن يتعلمن قرض الشعر، والموسيقى، وضروباً من أشغال