الأصفر المذهب ذي النقوش البارزة. وللبناء أربعة أبواب جميلة-عتباتها مصفحة بالبرونز-تؤدي إلى الداخل الذي تقسمه صفوف من العمد المتخذة من المرمر المصقول، متتالية ومتحدة في المركز، إلى أشكال مثمنة الأضلاع كل منها أصغر من الذي في خارجه. وهذه العمد الفخمة من الآثار الرومانية القديمة، وتيجانها بيزنطية الطراز. وتمتاز الأجزاء التي بين العقود بما فيها من قطع الفسيفساء، التي تصور أشجاراً لا تقل في جمالها عن تصوير كوربية Qourbet. وأجمل من هذا على جماله فسيفساء الجزء الأسفل من القبة. وعلى الطنف التي فوق العمد الخارجية نقش بالخيط الكوفي ذو حروف صفراء على قطع من القرميد زرقاء، أمر به صلاح الدين في عام ١١٨٧، وهو مثل جميل رائع من هذه الزخرفة المعمارية الفذة. وتحيط العمد بهذه الصخرة الضخمة غير المنتظمة الشكل التي يبلغ محيطها مائتي قدم. وقد وصفها المقدسي بقوله:
"فإذا بزغت عليها الشمس أشرقت القبة، وتلألأت المنطقة، ورأيت شيئاً عجيباً. وعلى الجملة لم أر في الإسلام ولا سمعت أن في الشرق مثل هذه القبة"(٨٠).
وقد أخفق عبد الملك فيما كان يسعى من إحلال هذه الصخرة عند المسلمين محل الكعبة، ولو أنه نجح فيما كان يبتغيه لأضحى بيت المقدس مركز الأديان الثلاثة التي كانت تتنافس في الاستحواذ على روح الإنسان في العصور الوسطى.
ومع هذا كله فإن بيت المقدس لم يكن عاصمة ولاية فلسطين، بل نالت الشرف بلدة الرملة. وكانت في الأماكن التي تشغلها الآن قرى صغيرة فقيرة مدن زاهرة في عهود الإسلام الأولى. ومن تلك المدن عكا التي كتب عنها المقدسي في عام ٩٨٥ يقول إنها مدينة كبيرة واسعة الرقعة. وكتب الإدريسي في عام ١١٢٤ عن صيدا إنها مدينة مترامية الأطراف تحيط بها الحدائق والأشجار، ووصف اليعقوبي في عام ٨٩١ مدينة صور بأنها بلدة جميلة مشيدة على صخرة،