ووصل منهم إلى أوربا في القرن العاشر الميلادي، وظل شائع الاستعمال بين الملاحين حتى القرن السابع عشر. وقد صروه العرب وأبدعوا صنعه، حتى أصبح بفضلهم أداة علمية وتحفة فنية معاً.
وهذا الاهتمام العظيم بتصوير السماء قد فاقه اهتمامه بتصوير أقاليم الأرض لأن المسلمين كانوا يعيشون على فلح الأرض وعلى التجارة في أقاليمها المختلفة. فقد حمل سليمان التاجر-الذي عاش حوالي عام (٨٥١) وصفاً لرحلة سليمان هذا، كان هو أقدم وصف عربي لبلاد الصين، وكتبه قبل رحلات ماركو بولو Marco Polo بأربعمائة وخمسة وعشرين عاماً. وفي ذلك القرن نفسه كتب ابن خردذيه وصفاً لبلاد الهند، وسيلان، وجزائر الهند الشرقية، وبلاد الصين، ويبدو أنه اعتمد فيما كتب على رحلاته في تلك البلاد وما شاهده فيها بنفسهِ. ووصف ابن حوقل بلاد الهند وإفريقية، وكتب أحمد اليعقوبي، من أهل أرمينية وخرسان في عام ٨٩١ كتاب البلدان الذي وصف فيه الأقطار والمدن الإسلامية وكثيراً من الدول الأجنبية وصفاً خليقاً بالثقة. وزار محمد المقدسي جميع البلاد الإسلامية فضلاً عن بلاد الأندلس، ولاقى في أثناء رحلاته كثيراً من الشدائد، ثم كتب عام ٩٨٥ كتابه أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، وهو أعظم كتاب في معرفة جغرافية البلاد الإسلامية قبل كتاب البيروني عن الهند.
ويمثل أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني (٩٧٣ - ١٠٤٨ م) العالِم الإسلامي في أحسن صورة له. فقد كان البيروني فيلسوفاً، مؤرخاً، ورحالة، وجغرافياً، ولغوياً، ورياضياً، وفلكياً، وشاعراً، وعالماً في الطبيعيات-وكانت له مؤلفات كبيرة وبحوث عظيمة مبتكرة في كل ميدان من هذه الميادين. ومكان عند المسلمين كما كان ليبنتز، ويوشك أن يكون كما كان ليوناردو دافنشي، عند