أهداه إلى أحد أمراء خرسان. وقد ترجمه جرار الكريمو إلى اللغة اللاتينية. وظل المجلد التاسع من هذا الكتاب وهو المعروف عند الغربيين باسم Nonus Almansoris متداولاً في أيدي طلاب الطب في أوربا حتى القرن السادس عشر. وقد كشف الرازي طرقاً جديدة في العلاج كمرهم الزئبق، واستخدام أمعاء الحيوان في التقطيب. وهدأ من حماس الأطباء لتحليل البول في عصر أقلب به الأطباء إلى تشخيص كل مرض بالفحص على بول المريض، دون أن يروه في بعض الأحيان. ولا تخلو بعض مؤلفاته القصيرة من ظرف ودعابة؛ ومن هذا النوع رسالته "في الطب الحاذق وليس هو من قدر على إبراء جميع العلل وإن ذلك ليس في الوسع" ورسالته الأخرى "العلة التي من أجلها ينجح جهال الأطباء والعوام والنساء في المدن في علاج بعض الأمراض أكثر من العلماء وعذر الطبيب في ذلك". ولقد كان الرازي بإجماع الآراء أعظم الأطباء المسلمين وأعظم علماء الطب السريري (الكلينيكي) في العصور الوسطى (٤٩). ومات الرجل فقيراً في الثانية والثمانين من عمرهِ.
وقد علقت في مدرسة الطب بجامعة باريس صورتان ملونتان لطبيبين مسلمين هما: الرازي وابن سينا. وكان أبو علي الحسين بن سينا (٩٨٠ - ١٠٣٧) أعظم فلاسفة الإسلام وأشهر أطبائه، وتشهد سيرته التي كتبها بيدهِ-وذلك النوع من السير نادر في الأدب العربي-بكثرة ما كان يحدث في العصور الوسطى من تقلب في حياة العلماء والحكماء. فقد كان ابن سينا ابن أحد الصيارفة في بخارى، وتلقى العلم على معلمين خصوصيين، كان لهم أثر فيما ينطوي عليه عقله العلمي من نزعة صوفية. ويقول عنه ابن خلكان بشيء من المغالاة المألوفة عند المؤرخين العرب إنه لما بلغ عشر سنين من عمرهِ "كان قد أتقن علم القرآن العزيز والأدب وحفظ أشياء من أصول الدين وحساب الهند والجبر والمقابلة"(٥٠).
وقد تعلم الطب من غير مدرس، وأخذ وهو شاب يعالج المرضى من غير أجر