وشفى وهو في السابعة عشر من عمرهِ نوح بن منصور أمير بخارى من مرضهِ، معين في منصب في بلاطهِ، وكان يقضي في الدرس ساعات طوالاً في مكتبة السلطان الضخمة. ولما قضي على سلطان السامانيين في أواخر القرن العاشر الميلادي لجأ ابن سينا إلى بلاط المأمون أمير خوارزم. ولما استدعى محمود الغزنوي ابن سينا والبيروني وغيرهما من جهابذة العلماء في بلاط المأمون، لم يطع ابن سينا أمره، وفر هو وزميل له من العلماء إلى الصحراء. وهبت عليهما عاصفة رملية مات فيها زميلهُ، ونجا ابن سينا ووصل إلى جرجان بعد أن قاسى كثيراً من الصعاب، وفيها عين في منصب في بلاط قابوس. ونشر محمود الغرنوي في بلاد الفرس صورة لابن سينا، ووعد من يقبض عليه بجائزة سخية، ولكن قابوس حماه من عيون الأمير. ولما قتل قابوس دعي ابن يسنا لعلاج همذان، وشفي الأمير على يديهِ فاتخذه وزيراً له، ولكن الجيش لم يرتح لحكمهِ، فقبض عليه ونهب بيتهُ، وأراد أن يقتله. واستطاع ابن سينا أن يفلت منهم ويختبئ في بيت صيدلي، وبدأ وهو في مخبئهِ يؤلف كتبهُ التي كانت سبباً في شهرتهِ. وبينما هو يدبر لنفسهِ أمر الفرار سراً من همذان قبض عليه ابن الأمير وزج به في السجن حيث قضى عدة أشهر واصل فيها التأليف. واستطاع مرة أخرى أن يفر من السجن، وتخفى في زي أحد رجال الطرق الصوفية، وبعد عدة مغامرات لا تتسع لها صحائف هذا الكتاب وجد له ملجأ في بلاط علاء الدولة البويهي أمير أصفهان، ورحب بهِ الأمير وكرمهُ، وهنا التفت حوله جماعة من العلماء والفلاسفة وأخذوا يعقدون مجالس علمية برياسة الأمير نفسه. ويستدل من بعض القصص التي وصلت إلينا أن فيلسوفنا كان يستمتع بملاذ الحب، كما يستمتع بملاذ الدرس. غير أن قصصاً تصوره لنا مكباً بالليل والنهار على الدرس، والتعليم، والشؤون العامة، وينقل لنا ابن خلكان نصائح له قيمة لا تبلى جدتها: