للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يتذكر قصيدة من القصائد فأرسل في طلب حماد الشاعر الراوية، وكان من حظهِ أنه يذكر القصيدة بأكملها، فلما أنشدها لهشام أجازه بجاريتين وبخمسين ألف دينار (٩٧)، وأكبر ظننا أن أحداً من شعراء هذه الأيام لن يصدق هذه القصة. وبعد أن كان الشعر العربي ينشد لبدو الصحراء، أضحى الآن يوجه إلى قصور الخلفاء ورجال حاشيتهم، وأصبح الكثير منه متكلفاً، أكثر ما يعنى به هو الشكل، شديد التأنق إلى حد التفاهة، كثير المجاملة خالياً من الإخلاص؛ ولهذا نشبت معركة بين أنصار القديم وبين أنصار الحديث، وأخذ النقاد يشكون وهم متألمون قائلين إنه لم يوجد شعراء عظماء إلا قبل عهد النبوة (٩٨).

والحب والحرب أكثر مواءمة للشعر من الموضوعات الدينية، وقلما كان شعر العرب صوفي النزعة (وإن كان هذا الحكم لا يصدق على شعر الفرس)؛ فقد كان الشاعر العربي يفضل أناشيد القتال، والعاطفة، والانفعالات النفسية؛ ولما أن اختتم قرن الفتوح الإسلامية أخذ الشعراء يستمدون وحيهم من النساء أكثر مما يستمدونه من الموضوعات الحربية والدينية، وأخذ شعراء الإسلام يصفون مفاتن المرأة-شعرها العطر، وعينيها الشبيهتين بالدرتين، وشفتيها القرمزيتين، وأطرافها الفضية؛ وظهرت في الصحراوات وفي المدينتين المقدستين القصائد الغنائية؛ وأصبح الأدب في عرف الفلاسفة والشعراء يعني أدب الحب وسلوك المحبين. وانتقل هذا المعنى عن طريق مصر وإفريقية إلى صقلية وأسبانيا، ومنهما إلى إيطاليا وبروفانس Provence في فرنسا، وانطلقت الألسن وجادت القرائح بالشعر الموزون المقفى.

واشتهر الحسن بن هانئ باس أبي نواس-لغدائره التي كانت تنوس على كتفيهِ. وكان مولده في بلاد الفرس، ثم رحل إلى بغداد، ونال الحظوة عند الخليفة الرشيد، ولعله اشترك معه في واحدة أو اثنتين من المغامرات التي تعزى إليهما في كتاب ألف ليلة وليلة. وكان أبو نواس مولعاً بالخمر والنساء والغناء.