وكثيراً ما أغضب الخليفة بإدمانهِ الخمر جهرة، وبزندقتهِ ودعارتهِ؛ كثيراً ما سجنه ثم أطلقه، وتاب أبو نواس شيئاً فشيئاً واستمسك آخر الأمر بأهداب الفضيلة، وانتهى بأن كان يحمل المسبحة والقرآن معه أينما سار. ولكن أكثر ما كانت تحبه مجامع العاصمة هو أغانيه التي وصف فيها الخمر والفساد:
يا سليمان! غنني ومن الراح فاسقني
فإذا ما دارت الزجا جة خذها واعطني
ما ترى الصبح قد بدا في إزار مُبَيّي
عاطني كأس سلوة عن أذان المؤذن
تكثر ما استطعت من الخطايا فإنك بالغ رباً غفوراً
ستبصر إن قدمت عليه عفواً وتلقى سيداً ملكاً كبيراً
تعض ندامة كفيك مما تركت مخافة النار السرورا
وكان في بلاط صغار الأمراء والسلاطين أيضاً شعراؤهم-فكان في بلاط سيف الدولة شاعر لا تكاد تعرف عنه أوربا شيئاً، ولكن العرب يحسبونه خير شعرائهم على الإطلاق. واسم هذا الشاعر أحمد بن الحسين، ولكنه يشتهر عند المسلمين باسم المتنبي-أي مدعي النبوة. وقد ولد هذا الشاعر في الكوفة عام ٩١٥، وتلقى العلم في دمشق، ثم أدعى النبوة، فقبض عليه وأطلق بعدئذ سراحه، أقام في بلاط أمير حلب. وكان كأبي نواس مستهتراً بالدين لا يصوم ولا يصلي ولا يقرأ القرآن (١٠١)، ومع أنه لم يكن يرى أن الحياة ترقى إلى المستوى اللائق بهِ، فإنه كان يستمتع بها استمتاعاً يصرفه عن التفكير في الخلود. وقد أشاد بانتصارات سيف الدولة في شعر واسع جمع بين قوة المعنى وجمال اللفظ إلى حد أصبح معه هذا الشعر واسع الانتشار بين قراء العربية متعذر الترجمة إلى اللغة الإنجليزية. ومن هذا الشعر بيته المشهور الذي كان سبباً في هلاكهِ وهو.