الآشورية في العادة أبعد عن الطابع الدنيوي، وأكثر بدائية من قوانين حمورابي البابلية التي كانت على ما يبدو لنا أقدم منها عهدا (١).
وكانت الحكومة المحلية في بداية الأمر يقوم بها أمراء الإقطاع، ثم آلت على توالي الزمن إلى ولاة الأقاليم ومديريها المعينين من قبل الملك. وأخذ الفرس عن الآشوريين هذا الضرب من الحكم الإمبراطوري ومنهم انتقل إلى رومة. وكان يعهد إلى الولاة بجمع الضرائب وتنظيم العمال المسخرين في الأعمال العامة، كأعمال الري، التي لم يكن في الإمكان تركها للجهود الفردية؛ وأهم ما كان يطلب إليهم هو تجنيد العساكر، وقيادتهم في الحروب الملكية. وكان للملك جواسيس (أو رجال قلم المخابرات بلغة هذه الأيام) يراقبون هؤلاء الولاة وأعوانهم وينقلون إلى الملك أخبار الرعية.
وكانت الحكومة الآشورية بقضّها وقضيضها أداة حرب قبل كل شيء. ذلك أن الحرب كثيرا ما كانت أنفع لها من السلم، فقد كانت تثبت النظام، وتقوي روح الوطنية، وتزيد سلطان الملوك، وتأتي بالمغانم الكثيرة لتغني بها العاصمة، وبالعبيد لخدمتها. ومن ثم كان تاريخ الآشوريين يدور معظمه حول مدن تنهب، وقرى وحقول تخرب. ولما أن قمع أشور بانيبال ثورة أخيه شمش- شم- أوكين واستولى على بابل بعد حصار طويل مرير:
"كان للمدينة منظر رهيب تتقزز منه نفوس الآشوريين أنفسهم … فقد كان معظم من قضت عليهم الأوبئة والقحط ملقين في الطرقات أو في الميادين العامة، فريسة للكلاب والخنازير. وحاول من كانت لهم بقية من القوة من الأهلين أو الجنود أن يفروا إلى الريف، ولم يبق في المدينة إلا من كان ضعيفا لا يستطيع أن يجر قدميه إلى أبعد من أسوارها. وطارد أشور بانيبال هؤلاء
(١) وأقدم القوانين الآشورية التي بقيت إلى هذه الأيام قانون مؤلف من تسعين مادة مكتوبة على ثلاثة ألواح وجدت في خرائب أشور، ويرجع عهدها إلى حوالي عام ١٣٠٠ ق. م.