الضوء في المرايا الكرية، والتي في شكل القطع المكافئ، وعند مروره في العدسات الزجاجية الحارقة. ورصد صورة الشمس المماثلة لصورة نصف القمر وقت الخسوف على جدار قائم أمام ثقب صغير في مصراع شباك. وهذا هو أول ما ذكر عن الغرفة المظلمة التي تعتمد عليها التصوير الشمسي بكافة أنواعه. وليس في وسعنا مهما قلنا عن ابن الهيثم أن نبالغ في بيان أثره في العلوم الأوربية: وأكبر ظننا أنه لولا ابن الهيثم لما سمع الناس قط بروجر بيكن؛ وها هو ذا روجر بيكن نفسه لا يكاد يخطو خطوة في ذلك الجزء الذي يبحث في البصريات Opus Mains دون أن يشير إلى ابن الهيثم أو ينقل عنه. والجزء السادس من هذا المؤلف يكاد كله يعتمد على كشوف هذا العالم الطبيعي ابن القاهرة. ولقد ظلت الدراسات الأوربية للضوء حتى ذلك العصر المتأخر عصر كبلر وليوناردو تعتمد على بحوث ابن الهيثم.
وأبرز النتائج التي أسفرت عنها فتح العرب لشمالي إفريقية هو اختفاء المسيحية من هذا الإقليم اختفاء تدريجياً ولكنه يكاد يكون تاماً. ذلك أن البربر لم يعتنقوا الإسلام فحسب، بل أصبحوا فوق ذلك أكثر أنصاره تعصباً له ودفاعاً عنه. وما من شك في أن العوامل الاقتصادية كان لها دخل في هذه النتيجة الحاسمة: فقد كان غير الملمين يؤدون الفرضة، التي أعفي منها إلى وقت ما من يعتنقون الإسلام. ولما أن عرض والي مصر العربي على أهل البلاد هذا الإعفاء عام ٧٤٤ اعتنق الإسلام ٢٤. ٠٠٠ من المسيحيين (٢٢). وربما كان الاضطهاد (١) الذي وقع على المسيحيين، وهو اضطهاد لم يكن يقع إلا في بعض العهود ولكنه شديد، قد أثر في كثيرين من المصريين فحملهم على الدخول في دين الحكام. غير أن أقلية قبطية في مصر ظلت مستمسكة بدينها بشجاعة وأقامت كنائسها شبيهة
(١) يلاحظ هنا حرص المؤلف على إثبات أن هذا الاضطهاد لم يكن يقع إلا في بعض العهود؛ أي أنه لم يكن هو السياسة المتبعة وذلك عملاً بأوامر الدين الإسلامي نفسه وسياسة معظم الخلفاء. (المترجم)