الخليفة هشام. وطارده أعداؤه من قرية إلى قرية، فاضطر أن يعبر نهر الفرات الواسع سباحة، واجتاز الصحراء إلى فلسطين، ثم انتقل منها إلى مصر وإفريقية حتى وصل آخر الأمر إلى مراكش. وكانت أخبار الثورة العباسية قد ألهبت نيران المنافسة الحزبية القديمة بين العرب، والسوريين، والفرس، والمغاربة في أسبانيا. واكن في تلك البلاد طائفة من العرب مخلصة الأمويين تخشى أن يعترض الخلفاء العباسيون على حقها في تملك الأراضي التي وهبها لهم ولاة بني أمية، فدعوا عبد الرحمن للانضمام إليهم وتولى قيادتهم. فجاء إليهم وعينوه أميراً على قرطبة (٧٥٦)، وهزم جيشاً أرسله الخليفة المنصور لينتزعها منه، وبعث برأس قائد هذا الجيش ليعلق أمام أحد القصور في مكة.
ولعل هذه الحوادث هي التي منعت انتشار الدين الإسلامي في أوربا: ذلك أن أسبانيا الإسلامية قد أضعفتها الحرب الأهلية، وانقطعت عنها المعونة الخارجية فلم تواصل الغزو والفتح، بل انسحب المسلمون من شمالي أسبانيا، وانقسمت شبه الجزيرة من القرن الحادي عشر قسمين أحدهما مسلم والآخر مسيحي، يفصلهما خط يمتد من كوامبرا Coimbra ماراً بسرقسطة ومحاذياً لنهر الإبرة، وازدهر النصف الجنوبي الإسلامي بعد أن بسط فيه لواء السلم عبد الرحمن الأول وخلفاؤه، فعمه الرخاء، وترعرع فيه الشعر والفن. واستمتع عبد الرحمن الثاني بثمار هذا الرخاء؛ فقد اتسع وقته، بين حروبه مع المسيحيين على حدوده، وقمعه للثورات التي كان يقوم بها رعاياه، وصد الغارات التي كان يشنها النورمان على سواحل بلاده، واتسع وقته لتجميل قرطبة بالقصور والمساجد، وإجزال العطاء للشعراء. وكان يعفو عن المذنبين ويعاملهم معاملة لينة ربما كان لها بعض الأثر فيما حدث بعده من اضطراب اجتماعي.
وكان عبد الرحمن الثالث (٩١٢ - ٩٦١) آخر الشخصيات البارزة من أسرة بني أمية في أسبانيا؛ فقد آلت إليه الخلافة وهو في الحادية والعشرين