جنودهِ، ولما قال الباحثون الفخورون إنهم لم يجدوا أحداً من جنوده في الأسر عرضت عليهم الزهراء زوجته المحبوبة أن ينفق المال في بناء ضاحية وقصر يخلد بهما اسمها. وظل عشرة آلاف من العمال وألف وخمسمائة من الدواب يكدحون خمسة وعشرين عاماً (٩٣٦ - ٩٦١) لتحقيق حلمها، فكان قصر الزهراء الملكي يقع على بعد ثلاثة أميال من قرطبة وإلى جنوبها الغربي. وقد زين أفخم زينة وأثث بأفخم أثاث. وكان القصر يقوم على ألف ومائتي عمود من الرخام، وكان جناح الحريم به يتسع لستة آلاف امرأة، وكان يحتوي على بهو لمجلس الخليفة سقفه وجدرانه من الرخام والذهب، له ثمانية أبواب مطعمة بالأبنوس والعاج والحجارة الكريمة، وكان به فسقية مملوءة بالزئبق تنعكس على سطحها أشعة الشمس المتماوجة. واجتمعت حول الزهراء قصور طبقة من الأشراف طبقت العالم شهرتها بالظرف الرقة، وحسن الذوق، وتعدد متعها العقلية. وأقام المنصور في الطرف المقابل لهذا القصر من المدينة قصراً آخر يضارعه (٩٧٨) سمي بالزاهرة أحاطت به هو الآخر على مر الزمن ضاحية من قصور العظماء، وبيوت الخدم، والمغنين والعازفين، والشعراء، والخليلات. وقد حُرق القصران في أثناء الثورة التي تأجج لهيبها في عام ١٠١٠.
وكان الناس في العادة يتغاضون عن ترف الأمراء إذا ما أقام هؤلاء بيوتاً لله تفوق قصورهم في الفخامة والسعة وكان الرومان قد شادوا في قرطبة هيكلاً ليانوس Jauns، أنشأ المسيحيون بدلاً منه كنيسة كبرى؛ فلما تولى الخلافة عبد الرحمن الأول ابتاع من المسيحيين أرض الكنيسة، وهدمها وشاد في مكانها المسجد الأزرق، ولما عادت أسبانيا إلى حكم المسيحيين حولوا المسجد إلى كنيسة في عام ١٢٣٨؛ وهكذا تتغير مقاييس التقى، والصدق، والجمال تبعاً لتقلبات الحظ في الحروب. وجعل عبد الرحمن هذا المشروع سلوته في سنيه الكدرة، فغادر بيته الريفي إلى قصره في المدينة ليشرف على العمل بنفسهِ، وكان يأمل أن يطول عمره