للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حتى يؤم المصلين في المسجد الفخم الجديد شكراً لله على توفيقهِ. ولكنه توفي في عام ٧٨٨، بعد عامين من وضع الأساس، وواصل ابنه هشام عمل أبيه، وظل الخلفاء مدى قرنين كاملين يضيف كل منهم جزءاً جديداً للمسجد حتى كانت سعته في أيام المنصور ٤٧٢ قدماً في ٧٤٢. وكان يحيط به سور منيع من الآجر والحجر ذو أبراج على أبعاد غير منتظمة، وكانت له مأذنة ضخمة تفوق في حجمها وجمالها كل مآذن تلك الأيام، حتى عدت هي الأخرى من "عجائب الدنيا" التي لا يحصى لها عدد (٦٤). وكان للمسجد تسعة عشر باباً تحيط بها عقود على شكل حذاء الفرس، نقشت عليها في الحجر ببراعة فائقة زخارف مكونة من أزهار وأشكال هندسية. وكانت هذه الأبواب تؤدي إلى مكان الوضوء الفسيح الذي يسمى الآن بهو البرتقال (Patio de los Naanjos) . وفي هذا البهو الرباعي الشكل، المرصوفة أرضه بالقرميد الملون كانت أربع فساق نحتت كل منها من كتلة واحدة من المرمر الأصم بلغ من ضخامتها أن تطلب نقلها من المقلع إلى مكانها في المسجد سبعين ثوراً. وكان المسجد نفسه يحتوي على أجمة من ١٢٩٠ عموداً تقسم داخله إلى أحد عشر إيواناً وواحد وعشرين دهليزاً. وكانت تخرج من تيجان الأعمدة عقود مختلفة الأنواع-بعضها نصف دائري، وبعضها مستدق، وبعضها على شكل حذاء الفرس، ولمعظمها أوتاد من الحجر حمراء أو بيضاء بالتناوب. وكانت العمد من حجر اليشب والحجر السماقي، والمرمر، والرخام، انتزعت من خرائب الرومان والقوط الغربيين في أسبانيا، وكانت لكثرة عددها تحير الناظر وتوحي إليه بأن المسجد لا ينتهي عند حد. وقد نقشت على السقف الخشبي آيات من القرآن (الكريم) وزخارف أخرى داخل إطارات، وعلق فيه مائتا ثريا تحمل سبعة آلاف قنديل من الزيت المعطر تستمده من خزانات مصنوعة من نواقيس مسيحية مقلوبة معلقة هي الأخرى من السقف. أما الأرض والجدار فقد زينت بالفسيفساء، بعضها من الزجاج المطلي بالميناء،