للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الملون عند صنعه بكثير من الألوان الزاهية، وكثيراً ما كانت تحتوي على قطع من الفضة والذهب. ولا تزال هذه الزينات بعد ألف عام من وضعها تتلألأ كالجواهر في جدران الكنيسة. وقد جعل قسم من المسجد مزاراً مقدساً، ورصفت أرضه بالفضة وقطع القاشاني المطلية بالميناء، تحرسه أبواب مزدانة ومطعمة بالفسيفساء؛ وقامت عليه ثلاث قباب، وأحيط بساتر من الخشب محلاة بأبدع النقوش. وفي داخل هذا الموضع المنفصل أقيم المحراب والمنبر اللذان أفرغ عليهما الفنان كل ما وهب من حذق وإبداع. وكان المحراب نفسه تجويفاً سباعي الأضلاع محاطاً بالذهب ومزداناً بالفسيفساء المطلية بالميناء، ومزخرفاً بقطع صغيرة من الرخام وبنقوش من الذهب على أرضية قرمزية وزرقاء، يعلوه رباط من الأعمدة الرفيعة الرشيقة، والعقود المزدانة بأزهار الكُرَة (١) لا يفوقها في الجمال شيء مما أبدع الفن القوطي. وكان المنبر يعد أجمل منابر العالم طُراً؛ وكان يؤلف من ٣٧. ٠٠٠ قطعة صغيرة من العاج والأخشاب الثمينة-كالأبنوس، والأترج، وعود الند، والصندل الأحمر والأصفر، مثبتة كلها بمسامير من الذهب والفضة، ومطعمة بالجواهر. وكان على هذا المنبر صندوق مطعم بالجواهر عليه غطاء من الحرير القرمزي المطرز بخيوط من الذهب يحمل مصحفاً بخط الخليفة عثمان بن عفان، ومخضباً بدمه الذي جرى عليه عند مقتله. ويبدو لنا نحن الذين نفضل أن نزين دور تمثيلنا بالمعادن الذهبية وبالنحاس بدل أن نحلي كنائسنا بالجواهر والذهب، يبدو لنا أن في زخرفة المسجد الأزرق إسرافاً كبيراً، وأن جدرانه قد غطيت بطبقة من دماء الأجيال المستغلة؛ وأن الأعمدة فيه كثيرة مربكة، وأن العقد الذي على صوره حذاء الفرس ضعيف من الناحية المعمارية تنفر منه حاسة الجمال كما تنفر من منظر الرجل البدين ذي الساقين الفحجاوين (٢). ذلك حكمنا أما غيرنا فكان


(١) حلية معمارية. (المترجم)
(٢) الساق الفحجاء هي التي انحنت من وسطها فتباعد وسطها عن وسط صاحبتها. (المترجم)