للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عام ١١٦٤ أن قام النزاع على الوزارة بين اثنين (١) من القواد. واستعان أحدهما وهو شاور على منافسه بنور الدين، فبعث إليه بقوة صغيرة يقودها أسد الدين شيركوه. وانتهى الأمر بأن قتل شيركوه شاور ونصب نفسه وزيراً. ولما مات شركوه خلفه في الوزارة ابن أخيه الذي صار فيما بعد الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب والمعروف عند الغربيين باسم Saladin.

وقد ولد صلاح الدين في كريت الواقعة في أعالي نهر دجلة عام ١١٣٨ من أسرة كردية-غير سامية. وكان أبوه أيوب قد ارتقى في مناصب الدولة التي صار والياً على بعلبك أيام عماد الدين زنكي، ثم والياً على دمشق في أيام نور الدين محمود. ونشأ صلاح الدين في هاتين المدينتين في بيت من بيوت الإمارة، وتعلم فنون السياسة والحرب، ولكنه جمع إليها صلاحاً وتمسكاً بالدين، وتحمساً له، وإتقاناً لأصولهِ، وبساطة في المعيشة لا تكاد تفترق عن بساطة الزهاد. ويعده المسلمون من أعظم رجالهم الصالحين وكان خير أثوابه ثوباً من الصوف الخشن الغليظ، ولم يكن يشرب غير الماء وكان مضرب المثل في اعتداله في العلاقات الجنسية، وبلغ في ذلك درجة لا يدانيه فيها معاصروه. قدم إلى مصر مع شيركوه، واشترك فيما نشب فيها من قتال، واستلفت الأنظار ببسالته وحسن تدبيره، فعين حاكماً على الإسكندرية وصد عنها غارة الفرنجة في عام ١١٦٧. ثم تولى الوزارة وهو في سن الثلاثين، فبذل جهده في إعادة المذهب السني إلى مصر، حتى إذ كان عام ١١٧٠ استبدل باسم الخليفة الفاطمي الشيعي اسم الخليفة العباسي السني في خطبة الجمعة. ولم يكن للخليفة العباسي في ذلك الوقت أكثر من الزعامة الدينية الاسمية في بغداد. وكان الخليفة العاضد، آخر الخلفاء الفاطميين في ذلك الوقت، مريضاً في قصره، وظل على غير علم بهذا الانقلاب


(١) هما شاور وضرغام. (المترجم)