الديني، لأن صلاح الدين حرص على أن لا تصله أنباؤه حتى يقضي هذا السجين العديم الشأن نحبه في هدوء وسلام. وقد حدث هذا بالفعل بعد قليل، فمات ولم يبايع من يخلفه على العرش، وانقضى بذلك حكم الأسرة الفاطمية دون أن يحدث في البلاد شيء من الاضطراب. وجعل صلاح الدين نفسه والياً على البلاد لا وزيراً، وأقر لنور الدين بالسيادة. ولما دخل صلاح الدين قصر الخليفة بالقاهرة وجد في اثني عشر ألف شخص كلهم نساء عدا أقارب الخليفة نفسه، كما وجد فيه من الحلي، وأثاث، والعاج، والخزف الثمين ما لا يوجد في قصر أعظم عظماء ذلك الوقت. ولم يحتفظ صلاح الدين بشيء من هذا كله لنفسهِ، ووهب القصر لقواد جنده، وظل هو يسكن حجرات الوزير ويعيش فيها عيشة البساطة التي هي من خير النعيم على صاحبها.
ولما مات نور الدين في عام ١١٧٣ أبى ولاة الأقاليم أن يبايعوا ابنه البالغ عمره أحد عشر عاماً ملكاً عليهم، وأوشكت بلاد الشام أن تقع مرة أخرى في براثن الفوضى. وقال صلاح الدين إنه يخشى أن يستولي الصليبيون على تلك البلاد فسار من مصر ومعه سبعمائة من الفرسان، واستطاع بحملة سريعة موفقة أن يستولي على جميع بلاد الشام. ولما عاد إلى مصر لقب نفسه ملكاً وأسس الأسرة الأيوبية (١١٧٥)، وخرج من مصر مرة أخرى بعد ست سنين من ذلك الوقت، واتخذ دمشق مقراً له، واستولى على بلاد النهرين، وكان فيها، كما كان في القاهرة. الرجل الحريص على دينهِ، المستمسك بأصولهِ. وأنشأ عدة مساجد، وبيمارستانات، وأديرة، ومدارس لتعليم قواعد الدين، وشجع العمارة، وإن لم يشجع العلوم الزمنية، وكان يشرك الفاطميون في احتقاره الشعر. ولم يكن يتوانى عن إصلاح كل خطأ ورد كل ظلم يصل إلى علمه، وخفف الضرائب في الوقت الذي أكثر فيه من المنشئات العامة، وأدار دولاب الحكومة بحزم وكفاية وحرص شديد على المصلحة العامة. وكانت البلاد الإسلامية تفخر بعدلهِ وصلاح