حكمه، بينما كانت المسيحية تعترف بشهامته وإن لم يكن من دينها (١).
وسنمسك القلم عن التبسط في أحوال الأسر المحلية التي اقتسمت بلاد الشرق الإسلامية بعد موت صلاح الدين (١١٩٣). وحسبنا أن نقول إن ابنه كانت تنقصه مواهب أبيه، وإن حكم الدولة الأيوبية في بلاد الشام انقضى بعد ثلاث أجيال (١٢٦٠). أما في مصر فقد ظل مزدهراً حتى عام ١٢٥٠، ووصل إلى ذروة مجده وقوته في عهد الملك المستنير الملك الكامل (١٢١٨ - ١٢٣٨) صديق فردريك الثاني. وفي آسية الصغرى أقام السلاجقة سلطنة بلاد "الروم" وجعلوا قونية (إيقونيوم Iconium الوارد ذكرها في أقوال القديس بولس) مركزاً لحضارة ذات آداب رفيعة. وانمحت من آسية الصغرى أسس الحضارة اليونانية التي كانت قائمة فيها منذ أيام هومر، وأصبحت بلاداً تركية لا تقل في صبغتها هذه عن التركستان نفسها، وتقوم فيها الآن الدولة التركية متخذة عاصمتها مدينة كانت في الزمن القديم عاصمة الحيثيين. وكانت قبيلة أخرى من الأتراك تحكم خوارزم (١٠٧٧ - ١٢٣١)، وقد بسطت هذه القبيلة سلطانها من جبال أورال حتى الخليج الفارسي. وفي هذه الأحوال وهذا الانقسام السياسي أسس جنكيز خان الدولة الإسلامية الآسيوية.
وكانت بلاد الشام حتى هذه الفترة من عهود الاضمحلال تتزعم العالم كله في الشعر، والعلم، والفلسفة، وتنافس آل هوهنستوفن Hohenstaufen في الحكم. فقد كان سلاطين السلاجقة-طغرل بك، وألب أرسلان، وملك شاه وسنجر-من أقدر الحكام في العصور الوسطى، ويعد نظام الملك من أعظم رجال الحكم والسياسة، ولم يكن نور الدين، وصلاح الدين، والكامل
(١) قد يدهش القارئ لأن المؤلف أغفل جهود صلاح الدين في رد الصليبيين، ولكن هذه الجهود ستأتي في موضعها من الأجزاء الأخرى. (المترجم)