للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإسراف، ذلك أنه حيث لا تشاهد العين إلا الزخرف والزينة فإنها هي والروح تملان حتى الجمال والحذق. وهذه الدقة في الزخرف تبعث في النفس إحساساً بالوهن وتضحي بطابع القوة والأمان اللذين يجب أن تشعرنا بهما هندسة البناء. ومع هذا فإن ذلك الكساء الزخرفي كله تقريباً قد عاش بعد اثني عشر زلزالاً. نعم إن سقف قاعة السفراء قد خر، ولكن ما عداه من القاعة لا يزال قائماً. وملاك القول إأن هذه المجموعة الجميلة من الحدائق والقصور، والفساقي، والشرفات توحي إلى الناظر بأقصى ما وصل إيه الفن الإسلامي الأندلسي من العظمة، كما توحي في نفس الوقت بضعف هذا الفن: توحي بالإسراف في الثراء، وبجهود الفاتحين تتوسد مهاد الراحة وتخلد إلى الدعة، وبحاسة الجمال المرهقة تستبدل بالقوة والعظمة والرشاقة والأناقة.

وعاد الفن الإسلامي الأندلسي في القرن الثاني عشر من أسبانيا إلى شمال إفريقية، وبلغت مدائن مراكش، وفاس، وتلمسان، وتونس، وصفاقس، وطرابلس أوج عظمتها بما شيد فيها من القصور والمساجد التي يبهر العين؛ وبالأحياء الفقيرة المتعرجة. أما في مصر وبلاد الشرق فقد طعم السلاجقة والأيوبيون والمماليك الفن الإسلامي بقوة جديدة، فقد أقام صلاح الدين وخلفاؤه في الجنوب الشرقي من القاهرة قلعتها الضخمة، واستخدموا في بنائها الأسى الصليبيين، ولعلهم حذو في طرازها حذو القلاع التي شادها الفرنجة في بلاد الشام، وشاد الأيوبيون في حلب المسجد العظيم والقلعة، وبنوا في دمشق ضريح صلاح الدين. وحدث في هذه الأثناء انقلاب في فن العمارة حول في جميع بلاد الشرق الإسلامي الطراز القديم في عمارة المساجد، وهو طراز الصحن الواسع إلى طراز المدرسة أو الجامع ذي المدرسة، وكان منشأ هذا الطراز الجديد أن المساجد زاد عددها فلم تعد ثمة حاجة إلى أن يكون في وسطها صحن كبير يتسع لجمهور كبير من المصلين، وأن ازدياد الحاجة إلى المدارس كان يتطلب تسهيلات جديدة في التعليم. ولهذا