للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

العظيم وهي أنها أقدم ما بقي لدينا من الكتب في علم التاريخ، رغم ما تتصف به من الملل والسآمة، وما تسجله من الأعمال الوحشية الدموية، وكانت هذه الألواح في السنين الأولى مجرد أخبار تروى، أو تروي كل ما تحتويه سجلات لانتصار الملوك، لا تعترف لهم بأي هزيمة. ثم أصبحت فيما بعد وصفا أدبيا منمقا لما وقع من الأحداث الهامة في عهد كل واحد منهم. وأهم ما يخلد ذكر أشور في تاريخ الحضارة هو مكتباتها، فقد كانت مكتبة أشور بانيبال تحتوي ثلاثين ألف لوح من الطين مصنفة ومفهرسة، وعلى كل واحد منها رقعة يسهل الاستدلال بها عليه. وكان على كثير منها تلك العبارة التي كانت من شارات الملك الخاصة: "فليحل غضب أشور وبليت … على كل من ينقل هذا اللوح من مكانه … وليمحوا اسمه واسم أبنائه من على ظهر الأرض" (٥٣). وكثير من هذه الألواح منسوخة من أخرى أقدم منها لم يبين تاريخها، تكشف أعمال الحفر عنها في كل يوم. وقد أعلن أشور بانيبال أنه أنشأ مكتبة ليمنع الآداب البابلية أن يجر عليها النسيان ذيله.

ولكن الألواح التي يصح أن تسمى الآن أدبا لا تتجاوز عددا قليلا منها، أما معظمها فسجلات رسمية وأرصاد يقصد بها التنجيم والفأل والطيرة والتنبؤ بالمستقبل، ووصفات طبية، وتقارير ورقى سحرية، وترانيم وصلوات وأنساب للملوك والآلهة (٥٤). وأقل هذه الألواح مدعاة إلى الملل لوحان يعترف فيهما أشور بانيبال بحب الكتب والمعرفة، وهو اعتراف يزري به في أعين مواطنيه، والغريب أنه يكرر فيهما هذا الاعتراف ويصر عليه إصرارا:

"أنا، أشور بانيبال، فهمت حكمة نابو (١) وتوصلت إلى فهم جميع فنون كتابة الألواح. وعرفت كيف أضرب بالقوس وأركب الحيل والعربات، وأمسك أعنتها … وحباني مردك، حكيم الآلهة، بالعلم والفهم هدية منه … ووهب لي


(١) إله الحكمة المقابل لتحوت، وهرميز، وعطارد في البلاد الأخرى.