لا تعجل … وتعلم الأناة. فإن الجواد العربي يعدو أشواطاً قليلة بأقصى سرعته ثم تخور قواه؛ أما الجمل فيمشي على مهل ولكنه يسافر بالليل وبالنهار حنى يصل إلى آخر سفرهِ (٦٣).
حصل العلم لأن المال والثراء لا يعتمد عليهما … فإذا فقد صاحب المهنة ماله فليس له أن يندم على فقده لأن علمه في حد ذاته معين للثراء لا ينضب (٦٤)
إن قسوة المعلم أعظم نفعاً من لين الأب (٦٥).
لو محيت العقول من وجه الأرض لما وجد من يقول "أنا جاهل"(١) إن خفة البندقة لدليل على إنها فارغة (٦٧).
وكان السعدي فيلسوفاً ولكنه أضاع سمعته الفلسفية لأنه كان يكتب في وضوح؛ وكانت فلسفته أصح وأسلم من فلسفة عمر الخيام؛ فهي تفهم ما في الإيمان من سلوى، وتعرف كيف تداوي جراح المعرفة بما في الحياة الحنونة من نعمة. ولقد قاسى السعدي كل ما في ملهاة الحياة البشرية من مآس، ولكن أجله مع ذلك طال حتى بلغ مائة عام. ولقد كان السعدي شاعراً كما كان فيلسوفاً: كان مرهف الحس بكل أنواع الجمال الظاهر والمكنون، الحسي منه والمعنوي، من جسم المرأة الجميلة إلى النجم الذي يستأثر لحظة بالسماء وقت المساء؛ وكان في وسعه أن يعبر عن الحكمة والتفاهة بإيجاز، ورقة، وظرف. ولم يكن يعجز في أية لحظة عن الإتيان بتشبيه نير جميل، أو عبارة بليغة فاتنة. ومن أقواله ما أشبه تعليم السفلة بقذف القبة بالجوز (٦٨)"إني كنت وصديقي كحبتين في قشرة لوزة (٦٩) "، "لو أن قرص الشمس كان في جُبّة" هذا التاجر البخيل "لما رأى إنسان
(١) قارن هذا بالسطور الأولى من كتاب ديكارت المسمى "أحاديث عن الطريقة Discourses on Method" حيث يقول: "إن الإدراك السليم هو أكثر الأشياء كلها توزيعاً بالقسطاس المستقيم بين الناس، ذلك ما من أحد إلا يظن نفسه ذا حظ موفور منه، وحتى الذين يصعب علينا أن نرضيهم بحظهم في غيره من الأمور لا يرغبون عادة في أكثر مما لديهم منه".