وهو موسوعة جغرافية ضخمة جمع فيها كل المعلومات الجغرافية المعروفة في العصور الوسطى. ولم يكد يترك شيئاً من هذه المعلومات إلا أدخله في هذه الموسوعة- من فلك، وطبيعة، وعلوم آثار، والجغرافية البشرية، والتاريخ، هذا إلى ما أثبته فيها من أبعاد المدن بعضها عن بعض، وأهميتها وحياة مشهوري أهلها وأعمالهم، ولسنا نعلم أن أحداً أحب الأرض كما احبها هذا العالم العظيم.
وبعث علم النبات بعثاً جديداً على أيدي المسلمين في ذلك العصر وقد كاد ينسى بعد ثاوفراسطوس؛ فقد وضع الإدريسي كتاباً في النباتات وصف فيه ثلاثمائة وستين نوعاً مختلفاً منها، ولم يقتصر اهتمامه بها على الناحية الطبية، بل عنى أيضاً بالناحية العلمية النباتية. وذاعت شهرة أبي العباس الإشبيلي (١٢١٦) لدراسته حياة أنواع البات المختلفة التي تنمو بين المحيط الأطلنطي والبحر الأحمر. وجمع أبو محمد بن البيطار المالقي (١١٩٠ - ١٢٤٨) كل ما عرفه المسلمون في علم النبات في موسوعة عظيمة غزيرة المادة ظلت هي المرجع المعترف به في هذا العالم حتى القرن السادس عشر، ورفعته إلى مقام أعظم علماء النبات والصيادلة في العصور الوسطى (٧٩). ومن أهم ما ظهر من الكتب في العلوم الزراعية كتاب الفلاحة الذي وصف فيه مؤلفه ابن الأوان الإشبيلي أنواع التربة والسماد، وريقة زرع ٥٨٥ نوعاً من أنواع النبات، وخمسين نوعاً من أشجار الفاكهة، وشرح طرق التطعيم، وبحث أغراض لأمراض النبات وطرق علاجها. وكان كتابه هذا أكمل البحوث في علم الفلاحة في العصور الوسطى جميعها (٨٠).
وأنجب المسلمون في هذا العصر، كما أنجبوا في غيره من العصور أعظم الأطباء في آسية، وإفريقية، وأوربا. وكان أهم ما بغوا فيه علم الرمد، ولعل سبب هذا النبوغ أنه كان واسع الانتشار في بلاد الشرق الأدنى، ففي هذه البلاد كان الناس يبذلون أكثر المال لعلاج الأمراض وأقله للوقاية منها. وكان أطباء العيون يجرون