المحبوب، والمحب الصادق يجد في أية صورة باعث الجمال كله ويعشقه. ولعل محي الدين قد تذكر أقوال بعض المسيحيين من أيام جيروم فأخذ يعلم الناس أن "من أحب وعف ثم مات مات شهيداً"، ووصل إلى أسمى درجات الصلاح والورع. وكان كثير من الدراويش المتزوجين يجهرون بأنهم يحبون هذه الحياة الطاهرة مع أزواجهم (٩٠).
وأثرت بعض الطوائف الدينية الإسلامية مما كان يغدقه عليها الناس من العطايا، ورضيت أن تستمع بطيبات الحياة. وقد شكا من ذلك أحد شيوخ الشام حوالي عام ١٢٥٠ فقال إن الصوفية كانوا من قبل أخوة مختلفين في الجسم ولكنهم متحدون بالروح، أما الآن فهم طائفة تكتسي أجسامها بالثياب بالحسنة ولكن سرائرها ممزقة خلقة. وكان الناس يبتسمون لهؤلاء الذين جمعوا بين الدين والدنيا ويتركونهم وشأنهم، ولكنهم كانوا يعظمون الأتقياء المخلصين الصادقين، ويعزون إليهم قوى وأفعالاً غير عادية، ويحتفلون بموالدهم، ويرجون منهم الشفاعة لهم عند الله، ويزورون قبورهم. ذلك أن الإسلام كالمسيحية دين يتطور ويكيف نفسه تكييفاً يدهش له محمد والمسيح إذا قدر لهما أن يعودا إلى هذا العالم (١).
ولما انتصر أهل السنة على هذا النحو وضعفت روح التسامح الديني، وعادت إلى الوجود شيئاً فشيئاً القواعد الصارمة التي يعزونها إلى الخليفة عمر بن الخطاب فطلب إلى غير المسلمين أن يميزوا ثيابهم بخطوط صفراء، وحرم عليهم أن يركبوا الخيل وأذن لهم أن يركبوا الحمير أو البغال، ولم يسمح لهم بإنشاء كنائس أو معابد
(١) ليست العقائد الدينية الأساسية هي التي تتطور وتتبدل على مر الأيام بل الذي يتطور هو ما لا يمس صميم الدين كالتشريع وأمثاله. وهناك أفعال ليست من الدين في شيء وبعضها مخالف له وأن أتاها بعض المسلمين منها الحج إلى المقابر الأولياء والتبرك بهم والتشفع بهم عند الله وهو ما لا يقره الدين. (المترجم)