بينا كانت عقائد أرسطو قد عدلت وحورت على أيدي معظم الفلاسفة المسلمين والمسيحيين حتى توفي بحاجات الدين، فإن العقائد الإسلامية قد انقضت على أيدي ابن رشد إلى أقل قدر حتى يوفق بينها وبين آراء أرسطو. ومن أجل هذا كان أثر ابن رشد في المسيحية أعظم منه في بلاد الإسلام، فقد اضطهده معاصره من المسلمين؛ ونسيه من جاء بعده منهم، وتركوا معظم كتبه تضيع أصولها العربية؛ ولكن اليهود احتفظوا بالكثير منها مترجماً إلى اللغة العبرية. وسار ابن ميمون على نهج ابن رشد فحاول أن يوفق بين الدين والفلسفة، أما في العالم المسيحي فإن الشروح بعد أن ترجمت من العبرية إلى اللاتينية كانت من أكبر البواعث على نزعة سيجر دي برابانت Siger de Brabant الإلحادية، ونزعة مدرسة بدوا Padua العقلية، وكانت خطر يهد أساس العقيدة المسيحية. وأراد تومس أكويناس أن يرد هذا التيار الذي بعثه ابن رش بمؤلفاته فكتب كتابه Summae لهذا الغرض، ولكنه سار على الطريقة التي اتبعها ابن رشد في شروحه في كثير من تفسيراته المختلفة لأرسطو، وفي قوله إن المادة هي منشأ الفروق بين الكائنات، وفي تفسيره الرمزي للنصوص الخاصة بالتجسيد في الكتاب المقدس، وفي قبوله الفكرة القائلة بأن العالم قد يكون أزلياً، وفي رفضه التصوف أساساً كافياً للدين، وفي اعترافه بأن بعض العقائد الدينية فوق إدراك العقل، وأنه يمكن قبولها عن طريق الإيمان (١١٣). وقد وضع روجر بيكن ابن رشد في الرتبة الثانية بعد أرسطو وابن سينا، وأضاف إلى ذلك قوله مع المبالغة التي هي من خصائصه "تحظى فلسفة ابن رشد في هذه الأيام (حوالي عام ١٣٧٠) بقبول جميع العقلاء"(١١٤).
وفي عام ١١٥٠ أمر الخليفة المستنجد في بغداد بإحراق جميع كتب ابن سينا وإخوان الصفا الفلسفية. وفي عام ١١٩٤ أصدر الأمير أبو يوسف يعقوب المنصور وكان وقتئذ في إشبيلية أمراً بإحراق جميع كتب ابن رشد إلا عدداً قليلاً منها