يعاد بناء الهيكل من مال الدولة (٣). وأعيد فتح أورشليم لليهود فهرعوا إليها من جميع أنحاء فلسطين ومن كل ولاية في الإمبراطورية، وسخر الرجال والنساء والأطفال جهودهم لإقامة البناء، وتبرعوا بحليهم وما ادخروه من أموالهم لتأثيث الهيكل الجديد (٤)، وفي وسعنا أن نتصور سرور القوم الذين ظلوا مائتي عام يدعون ربهم أن يمنّ عليهم بهذا اليوم (٣٦١). ولكن بينما كانوا يحفرون الأرض لوضع الأساس إذ خرج من باطنها لهيب أحرق عدداً من العمال القائمين بالعمل (٥). غير أن الناس عادوا إلى العمل من جديد-فعادت هذه الظاهرة مرة أخرى-ولعل سببها انفجار بعض الغازات الطبيعية-فأوقفت العمل وثبطت همة القائمين بالمشروع. وفرح المسيحيون إذ بدا لهم أن الله غير راض عن إعادة بناء الهيكل، وعجب اليهود من هذا وحزنوا له. ثم مات يوليان فجأة، فحبست عنهم أموال الدولة، وسنت من جديد القوانين المقيدة لهم وجعلت أشد صرامة مما كانت من قبل، وحرم على اليهود مرة أخرى دخول أورشليم، فعادوا إلى قواهم، وفقرهم، وصلواتهم. وكتب جيروم بعد قليل من ذلك الوقت يقول: إن أهل فلسطين اليهود "لا يزيدون على عُشر ما كانوا عليه من قبل"(٦). وفي عام ٤٢٥ ألغى ثيودوسيوس الثاني الحاخامية الفلسطينية، وحلّت الكنائس المسيحية اليونانية محل المعابد والمدارس اليهودية، وتخلت فلسطين بعد هبة قصيرة في عام ٦١٤، عن زعامة العالم اليهودي.
فهل يلام اليهود بعد هذا إذا أملوا أن تكون حالهم أحسن من هذه الحال في بلاد لا تسود فيها المسيحية سيادتها في البلاد التي يخضعون لسلطانها. فمنهم من انتقل نحو الشرق إلى أرض النهرين وإلى بلاد الفرس وقووا العنصر اليهودي البابلي الذي لم ينعدم من تلك البلاد منذ الأسر الذي حدث في عام ٥٩٧ ق. م. وكانت وظائف الدولة محرمة على اليهود في بلاد الفرس أيضاً؛ ولكن هذه الوظائف كانت محرمة كذلك على جميع الفرس ما عدا طبقة الأشراف، ولذلك