يقيموا فيها نظاماً اقتصادياً أغدق عليها من الرخاء أكثر ما شهده العالم المسيحي في العصور الوسطى.
وكانت البيروقراطية التي أنشأها دقلديانوس وقسطنطين قد صارت في مدى سبعة قرون أداة قوية فعّالة في إدارة شئون الحكم: وصلت إلى كل إقليم من أقاليم الدولة. وكان هرقل قد استعاض عن تقسيم الدولة القديم إلى ولايات تقسيمها إلى وحدات عسكرية على رأسها حاكم عسكري (استراتيجوس Strategos) ، وكان هذا التقسيم وسيلة من مائة وسيلة عدلت بها الأنظمة البيزنطية لمواجهة الغزو الإسلامي. واحتفظت الوحدات الجديدة بقسط كبير من الحكم الذاتي وعمها الرخاء تحت إشراف الإدارة المركزية، فقد حباها هذا النوع من الحكم استمراراً في النظام دون أن يلقى على كاهلها العبء المباشر للنزاع والعنف اللذين كانت تضطرب بهما العاصمة؛ فبينما كانت العاصمة يحكمها الإمبراطور والبطريق، والغوغاء، كانت الوحدات العسكرية يحكمها القانون البيزنطي. وبينما كانت البلاد الإسلامية توحد بين القانون والدين، وبينما كان غرب أوربا يتعثر في فوضى عدد كبير من قوانين القبائل الهمجية، كان العالم البيزنطي يعض بالنواجد على نطاق جستنيان ويوسع نطاقه، فكانت قوانين جستين الثاني Jutslsn ll وهرقل "الجديدة"، والقوانين "المختارة" التي سنها ليو الثالث والمراسيم الملكية التي نشرها ليو السادس، وقوانين هذا الإمبراطور الجديدة الأخرى، كانت كل هذه قد كيفت مجموعات قوانين جستنيان كي تتفق مع الحاجات المتغيرة لقرون خمسة. ووهبت كتب القوانين العسكرية، والكنسية، والبحرية، والتجارية، والريفية، الأحكام القضائية في الجيش والكنيسة، والأسواق والثغور، والضياع، والبحار، نظاماً وثقة بين الناس، وجعلتها خليقة بأن يعتمد عليها؛ وكانت مدرسة القانون في القسطنطينية في القرن الحادي عشر المركز الثقافي للشئون غير الدينية في العالم المسيحي. وهكذا احتفظ البيزنطيون بأعظم ما وهبته لهم روما-ألا وهو