للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بيد أن من قوانين التاريخ الصادقة الأكيدة التي لا تكاد تفترق عن قانون نيوتن في الجاذبية أن الملكيات الزراعية الكبيرة كلما تقاربت واتسعت رقعتها اجتذبت إليها الملكيات الصغيرة، وأنها بعد فترات من الزمن تجمع هذه الملكيات الصغيرة إلى ضياع كبيرة عن طريق الشراء أو غيره من الطرق؛ ثم لا يلبث هذا التركيز على مر الزمن أن يتفجر، فتوزع الأرض مرة أخرى عن طريق الضرائب أو الثورة، ثم تبدأ عملية التركيز من جديد. ولقد كانت معظم الأراضي الزراعية في بلاد الشرق البيزنطية ضياعاً واسعة يمتلكها كبار الملاك المعروفون باسم الديناتوي dynatoi أي "الرجال الأقوياء"، أو الكنائس، أو الأديرة، أو المستشفيات التي ينفق عليها من أرضين أوصى بها إليها الأتقياء الصالحون من الناس. وكانت هذه الأراضي يفلحها رقيق الأرض، أو فلاحون أحرار من الوجهة القانونية، ولكنهم مكبلون بالأغلال من الناحية الاقتصادية. وكان ملاك الأرض تحيط بهم بطانة من الموالي، والحراس، وعبيد المنازل، ويحيون حياة الترف المنعم في بيوت الريف أو قصور المدن. وترى ما في حياة أولئك الملاك من خير وشر في قصة السيدة دنييلس Damielis محسنة باسيل الأول. ذلك أنها حين جاءت لزيارته في القسطنطينية كان ثلاثمائة من العبيد يتناوبون على حمل هودجها الذي جاءت فيه من بتراس Patras. وحملت معها لمحسوبها الإمبراطوري هدايا أثمن مما بعث به ملك من الملوك إلى الإمبراطور البيزنطي: منها أربعمائة شاب، ومائة خصي، ومائة عذراء. ومنها أربعة قطعة من النسيج المنقوش نقشاً فنياً، ومائة قطعة أخرى من التيل الرفيع (تبلغ كل منها من الرقة درجة تسمح لها بأن توضع في عقلة غاب)، ومجموعة من صحاف المائدة مصنوعة من الفضة والذهب. وقد تخلت هذه السيدة في أثناء حياتها عن كثير من ثروتها، فلما دنت منيتها أوصت بما بقي لديها إلى ابن باسيل، ووجد ليو السادس أنه قد وُهب ثمانين بيتاً ومزرعة في الريف، وأكداساً من النقود