للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والهياكل، ولكنهم لم يكونوا يشجعون الأجانب على المجيء إليها ورؤيتها. ولقد بقي هؤلاء الأقوام آلاف السنين يحيون حياتهم الخاصة بهم، محافظين على عاداتهم وأخلاقهم، متمسكين بآرائهم، ولا يزالون إلى اليوم كما كانوا في أيام كيوبس وجوديا. ولقد شهدوا مئات الممالك تقوم وتفنى من حولهم، ولا تزال أرضهم مِلكاً لهم يعضون عليها بالنواجذ، ويحمونها من أن تطأها الأقدام الدنسة أو تنظر إليها الأعين الغريبة.

والآن يحق للقارئ أن يسأل من هم أولئك الفينيقيون الذين تردد ذكرهم في هذه الصحف، والذين مخرت سفنهم عباب البحار كلها فلم يكن يخلوا ثغر من تجارهم يساومون فيه ويبيعون ويشترون؟ إن المؤرخ ليستحي إذا ُسئل عن أصلهم فهو لا يرى بدا من الاعتراف بأنه لا يكاد يعرف شيئاً من التاريخ الباكر أو التاريخ المتأخر لهذا الشعب الذي نراه في كل مكان ولكنه يفلت منا إذا أردنا أن نمسك به لنخبره وندرسه (١٥). فلسنا نعرف من أين جاء الفينيقيون، أو متى جاءوا؛ ولسنا واثقين من أنهم ساميون (١). أما تاريخ قدومهم إلى شاطئ البحر الأبيض المتوسط فليس في وسعنا أن نكذب ما قاله علماء صور لهيرودوت، وهو أن أجدادهم قدموا إلى بلدهم هذا من شواطئ الخليج الفارسي، وأنهم شادوا تلك المدينة في العهد الذي نسميه نحن القرن الثامن والعشرين قبل ميلاد المسيح (١٧). بل إن اسمهم نفسه لمن المشاكل العسيرة الحل. فقد يكون معنى لفظ الفوانكس الذي اشتق منه اليونان هذا الاسم هو الصبغة الحمراء التي كان يبيعها تجار صور، وقد يكون معناه النخلة التي تترعرع على الشواطئ الفينيقية (٢). وكان ذلك الشاطئ، وهو شريط ضيق من الأرض يبلغ طوله مائة ميل ولا يزيد عرضه على عشرة أميال،


(١) يقول أوتران أنهم كانوا فرعاً من فروع الأقوام الذين أنشئوا الحضارة الكريتية.
(٢) يكتب هذا الاسم أحيانا بالواو بدل الياء فيقال فونيقية وفونيقي ولعل هذا أصوب وإن لم يكن مؤكداً كل التأكيد، ولكننا آثرنا اللفظ القديم المألوف لأنه لم يثبت خطأه. (المترجم)