السابع مراعي للبقر كما بدأت، وغطى الوحل أرض الكبتول، وهدمت الهياكل القديمة والمباني العامة ليأخذ من أنقاضها ما تحتاجه الكنائس المسيحية والقصور من مواد، وعانت رومة من أبنائها أكثر مما عانته من الوندال والقوط (١٢)، وملاك القول إن روما يوليوس قيصر قد ماتت، وإن روما ليو العاشر لم تكن قد ولدت بعد.
وتشتت محتويات دور الكتب القديمة وتلفت، وكادت الحياة الذهنية أن تنحصر في الكنيسة. وهوى العلم تحت أقدام الخرافات التي تهب الفقر خيالاً ورواء؛ وظل الطب وحده يرفع رأسه عالياً تحتفظ منه الأديرة بما ورثته عن جالينوس. ولعل مدرسة طبية علمانية قد نشأت من دير للبندكتيين في سلرنو في القرن التاسع الميلادي، فكانت هي التي سدت الثغرة القائمة بين طب الأقدمين وطب العصور الوسطى، كما سدت إيطاليا الجنوبية الهنستية الثغرة التي قامت بين ثقافة هذه العصور وثقافة اليونان: وكانت سلرنو مصحة منذ أكثر من ألف عام، وقد وصفت الرواية المحلية المأثورة كلية أبقراط التي كانت بها؛ فقالت إنها تتألف من عشرة معلمين أطباء منهم واحد يوناني وآخر مسلم، وثالث يهودي (١٣). وجاء قسطنطين "الأفريقي" وهو مواطن يوناني درس الطب في مدارس المسلمين بأفريقية وبغداد-إلى مونتي كسينو Monte Gassino (التي أصبح فيها راهباً)، وإلى سلرنو القريبة منها، جاء إليهما ببضاعة عجيبة مثيرة من المعارف الطبية الإسلامية. وأسهمت تراجمه للكتب اليونانية والعربية في الطب وغيره من الميادين في إحياء العلم بإيطاليا، حتى كانت مدرسة سلرنو حين وفاته حاملة لواء العلوم الطبية في بلاد الغرب المسيحية.
وكان أهم ما أثمرته الفنون في هذا العصر هو ابتداع الطراز الرومانسي Romanesque في العمارة (٧٧٤ - ١٢٠٠). ذلك أن البنائين الإيطاليين وارثي التقاليد الرومانية في الصلابة والبقاء زادوا سمك جدران الباسلقا، وأنشأوا