للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان في مراسي سفنهم من حديد وحجارة وأقلعوا بها مغتبطين (١٩). على أن هذا لم يكفهم، فأسروا الأهلين وسخروهم في العمل في المناجم ساعات طوال نظير أجور لا تكاد تكفي لابتياع أقواتهم (١). ذلك أن الفينيقيين، ككل التجار الأقدمين، لم يكونوا يفرقون كثيراً في أعمالهم ولا في لغاتهم بين التجارة والغدر، أو بينها وبين اللصوصية، فكانوا يسرقون الضعيف، ويبتزون مال الغبي، أما من عدا هذين الصنفين فكانوا يراعون معهم ما يقضي به الشرف. وكانوا أحياناً يستولون على السفن في عرض البحار، ويصادرون ما فيها من بضاعة، ويأسرون من فيها من الملاحين؛ وكثيراً ما كانوا يخدعون الأهلين المشوقين إلى الاستطلاع فيغرونهم بزيارة سفنهم ثم يبحرون بهم ويبيعونهم عبيداً (٢١). وكان لهم أكبر الفضل في تشويه سمعة التجار الساميين الأقدمين وبخاصة عند اليونان الأولين، الذين كانوا يفعلون فعلهم (٢).

وكانت سفائنهم المنخفضة الضيقة البالغ طولها نحو سبعين قدماً طرازاً جديداً في بناء السفن؛ ذلك بأنهم لم يحتذوا فيها حذو السفن المصرية المنحني مقدمها إلى الداخل، بل جعلوه ينحني إلى خارجها وينتهي بطرف رفيع يشق الريح أو الماء أو مراكب الأعداء. وكان للسفينة شراع واحد كبير مستطيل الشكل مرفوع على سارية مثبتة في قاعها، وكان هذا الشراع يساعد العبيد الذين كانوا يدفعونها بصفين من المجاديف. وكان الجند يقفون على سطح السفينة فوق


(١) انظر ما يقوله جين: "لقد شاءت الأقدار أن تكون أسبانيا في العالم القديم كما كانت بيرو والمكسيك في العالم الحديث. فلقد كان كشف تلك البلاد الغربية الغنية (يريد أسبانيا) على يد الفينيقيين، وظلم أهلها السذج وتسخيرهم للعمل في مناجمهم لفائدة الأجانب القادمين من بلادهم، كان هذا كله سابقة لا تفترق في شيء عما فعلته أسبانيا نفسها بأمريكا في العصر الوسيط").
(٢) وأطلق اليونان- وقد ظلوا خمسمائة عام لا ينقطعون عن القرصنة وشن الغارات - اسم فينيقي على كل من كان دأبه الختل والتلصص (٢٢).