ولم يكن يطلب، حتى ذلك الوقت، إلى من يدخلون الأديرة ليعيشوا فيها أن يقسموا أي قَسم. فأحس بندكت أن الواجب يقضي على الطالب أن يقوم على خدمة راهب حديث العهد، ليتعلم منه بالتجربة ما يطلب إليه من حياة التقشف، فإذا ما أتم هذه التجربة لا قبلها أقسم الإيمان. وعليه بعد ذلك إذا شاء أن يتعهد كتابة بالبقاء في الدير على الدوام، وإصلاح أخلاقه، وطاعة رؤسائه؛ ثم يضع الراهب الجديد هذا القسم الكتابي بنفسه على المذبح، بعد أن يوقعه ويشهد عليه في احتفال رهيب. ولم يكن من حق الراهب بعد هذا الحفل أن يغادر الدير إلا بإذن رئيسه. وكان الرهبان هم الذين يختارون رئيس ديرهم، وكان عليه أن يستشيرهم في جميع الشئون الخطيرة، ولكنه هو وحده الذي يتخذ القرار الأخير، وكان عليهم أن يطيعوه طاعة عمياء وهم صامتون. ولم يكن لهم أن يتكلموا إلا إذا اقتضت ذلك الضرورة، وألا يمزحوا أو يضحكوا بصوت عال، وأن يمشوا وهم مطرقون بأبصارهم إلى الأرض. ولم يكن من حقهم أن يمتلكوا شيئاً "سواء كان كتاباً، أو لوحاً، أو قلماً-أو شيئاً على الإطلاق … بل يجب أن تكون كل الأشياء ملكاً مشاعاً"(٣). وكان عليهم أن يغلفوا أو ينسوا كل ما شاهدوه من قبل من أحوال الملكية أو الاسترقاق. وكان من واجب رئيس الدير:
ألا يميز بين الأفراد في الدير … فلا يفضل الحر المولد عمن جاء من بين الأرقاء، إلا إذا كان لهذه التفرقة سبب معقول، إذ لا فضل لأحدنا على الآخر عند الله سواء كنا عبيداً أو أحراراً … لأن الله لا يعظم الأشخاص (٤).
ويجب على من في الدير أن يتصدقوا على كل من يطلب الصدقة، وأن يستضيفوا كل من يطلب الضيافة بقدر ما تتسع له موارد الدير، وأن "يستقبلوا كل من يأتون من الضيوف كأنهم هم المسيح نفسه"(٥).
ومن واجب كل راهب أن يعمل-في الحقول أو الحوانيت، وفي المطبخ،