الإحساس، حلو الحديث، ماضي العزيمة، رقيق العاطفة؛ وكان تقشفه الشديد وتبعاته الكثيرة قد أتلفت صحته، فكان يشكو عسر هضم، وحمى بطيئة خفيفة، وداء النقرس. وعاش في القصر البابوي كما كان يعيش في الدير-يلبس ثوب الرهبان الخشن، ويأكل أرخص الأطعمة وأشدها خشونة، ويشارك مساعديه من الرهبان والقسيسين في حياتهم العامة. ولم يمنعه انهماكه في معظم أوقاته في مشاكل الدين والدولة من أن يوجه كلمة أو يقوم بعمل يشعران بالعطف والحنان. من ذلك أنه أبصر في يوم من الأيام شاعراً جوالاً على باب قصره ومعه أرغن وقرد، فأمر جريجوري الرجل بالدخول، وقدم له الطعام والشراب (١٣). ولم يكن ينفق إيرادات الكنيسة في تشييد صروح جديدة بل أنفقها في الصدقات، وفي الهبات للمعاهد الدينية في جميع أنحاء العالم المسيحي، وفي افتداء أسرى الحروب. وكان يوزع على كل أسرة فقيرة في روما كل شهر قدراً من الحبوب، والنبيذ، والجبن، والزيت والسمك، واللحم، والثياب، والمال. وكان عماله يحملون الطعام المطبوخ في كل يوم إلى العجزة والمرضى؛ وكانت رسائله غاية في الصرامة لرجال الكنيسة المهملين، ولكبار الحكام السياسيين، ولكنها كانت تفيض رقة وحناناً للمنكوبين: من فلاح يشتغل في أرض الكنيسة، إلى أمة تريد أن تدخل الدير، أو سيدة شريفة يؤنبها ضميرها على ما اقترفت من آثام. وعلى هذا النحو كان القس راعياً بالمعنى الحرفي لهذا اللفظ، راعياً يعني بقطيعه، وكان للبابا الصالح الحق أن يؤلف كتابه المسمى Liber Pastoralis curae (٥٩٠) ، وهي كتاب موجز في النصائح يهديها إلى الأساقفة، صارت فيما بعد من المراجع المسيحية الهامة، ولم يمنعه مرضه الدائم وشيخوخته المبكرة من أن ينهك قواه في تصريف الشئون الكنسية، والسياسة البابوية، والأعمال الزراعية، والخطط العسكرية، وتأليف الرسائل الدينية، والنشوة الصوفية، والاهتمام الشديد بآلاف تفاصيل الحياة البشرية. وقد خلع على منصبه السامي